فقال : كيف بصرك بالعربية؟ قال : مبداتنا وطباعنا بها تقدمت ، وألسنتنا بها جرت ، فصارت كالحياة لا تتم إلاّ بالسلامة ، وكذلك العربية لا تسلم إلاّ لأهلها ، ولقد ولدت وما أعرف اللحن ، فكنت كمن سلم من الداء ما سلم له الدواء وعاش متكاملا ، وبذلك شهد لي القرآن فقال ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ ) يعني قريشا ، وأنت وأنا منهم يا أمير المؤمنين ، فالعنصر رصيف والجرثومة منيعة شامخة ، أنت أصل ونحن فرع ، وهو صلّى الله عليه مفسّر ومبيّن ، به اجتمعت أحبائنا ، فنحن بنو الإسلام بذلك ندعى وننسب.
فقال الرشيد : صدقت وبارك الله فيك ... ».
وقال الرازي : « الفصل الثالث في مناظرة جرت بينه وبين محمّد بن الحسن في هذه الواقعة ، ذكروا : أن الشافعي رضياللهعنه لما حضر مع العلويين من اليمن وحضر باب الرشيد اتفق أن كان ذلك في وهن من الليل ، فكانوا يدخلون عشرة عشرة منهم على الرشيد ، فجعل يقيم واحدا واحدا منهم ويتكلّم من داخل الستر ، ويأمر بضرب عنقه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فلمّا انتهى الأمر إليّ قلت : يا أمير المؤمنين عبدك وخادمك محمّد بن إدريس. قال : يا غلام ، اضرب عنقه. قلت يا أمير المؤمنين كأنك اتهمتني بالانحراف عنك والميل إلى العلوية ، وسأضرب مثلا في هذا المعنى ، ما تقول يا أمير المؤمنين في رجل له ابنا عم أحدهما خلطه بنفسه وأشركه في نسبه وزعم أن ماله حرام عليه إلاّ باذنه ، وأن ابنته حرام عليه إلاّ بتزويجه. والآخر يزعم أنه دونه كالعبد له ، فهذا الرجل إلى أيّهما يميل؟ فهذا مثلك ومثل هؤلاء العلويين. فاستعاد الرشيد هذا القول ثلاث مرات ، وكنت أعبّر عن هذا المعنى بألفاظ مختلفة ».
هذا ، ومن المعلوم أن ( هارون الرشيد ) إمام باطل ، وأن جرائمه قد سوّدت وجه التاريخ ، وموبقاته أشهر من أن تذكر ، وأكثر من أن تحصر. ولا شك في أن من رضي بهكذا إمام فهو كافر ، صرّح به جماعة منهم : أبو شكور محمّد بن عبد السعيد السلمي الحنفي في ( التمهيد في بيان التوحيد ).