المفاضة عليه من الحضرة الالهية ، وإنما يتأخر البعث والتبليغ وكل ما له من جهة الله ، ومن تأهل ذاته الشريفة وحقيقته معجل لا تأخير فيه.
وكذلك استنباؤه وإيتاؤه الكتاب والحكم والنبوة ، وإنما المتأخّر تكوّنه وتنقله إلى أن ظهر صلّى الله عليه وسلّم وغيره من أهل الكرامة ، وقد تكون إفاضة الله تلك الكرامة عليه بعد وجوده بمدة كما يشاء سبحانه ، ولا شك أن كلما يقع فالله عالم به من الأزل ونحن نعلم علمه بذلك بالأدلة العقلية والشرعية ، ويعلم الناس منها ما يصل إليهم عند ظهوره كعلمهم نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم حين نزل عليه القرآن في أول ما جاءه جبرئيل ، وهو فعل من أفعاله تعالى من جملة معلوماته ، ومن آثار قدرته وإرادته واختياره في محل خاص يتّصف بها ، فهاتان مرتبتان الأولى معلومة بالبرهان والثانية ظاهرة للعيان ، وبين المرتبتين وسائط من أفعاله تعالى تحدث على حسب اختياره ، منها ما يظهر لهم بعد ذلك ، ومنها ما يحصل به كمال لذلك المحل وإن لم يظهر لأحد من المخلوقين ، وذلك ينقسم إلى كمال يقارن ذلك الحمل من حين خلقه وإلى كمال يحصل له بعد ذلك ، ولا يصل علم ذلك إلينا إلاّ بالخبر الصادق والنبي صلّى الله عليه وسلّم خير الخلق ، فلا كمال لمخلوق أعظم من كماله ولا محل أشرف من محله.
فعرفنا بالخبر الصحيح حصول ذلك الكمال من قبل خلق آدم لنبينا صلّى الله عليه وسلّم من ربه سبحانه وأنه أعطاه النبوة من ذلك الوقت ، ثم أخذ له المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدّم عليهم ، وأنه نبيهم ورسولهم ، وفي أخذ المواثيق ـ وهي في معنى الاستخلاف ، ولذلك دخلت لام القسم في ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ) لطيفة أخرى وهي كأنها إيمان للبيعة التي تؤخذ للخلفاء ، ولعل إيمان الخلفاء أخذت من هنا ، فانظر هذا التعظيم العظيم للنبي صلّى الله عليه وسلّم من ربه سبحانه وتعالى.
فإذا عرف ذلك فالنبي صلّى الله عليه وسلّم هو نبي الأنبياء ، ولهذا أظهر في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه ، وفي الدنيا كذلك ليلة الإسراء صلّى بها ، ولو اتفق