مجيؤه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته ، وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له ، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه ، فتأخر ذلك لأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافه بما تقتضيه ، وفرق بين توقف الفعل على قبول المحل وتوقفه على أهلية الفاعل ، فههنا لا توقف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبي صلّى الله عليه وسلّم الشريفة ، وإنما من جهة وجود العصر المشتمل عليه ، فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك.
ولهذا يأتي عيسى في آخر الزمان على شريعته وهو نبي كريم على حاله ، لا كما يظن بعض الناس أنه يأتي واحدا من هذه الأمة ، نعم هو واحد من هذه الأمة لما قلناه من اتباعه للنبي صلّى الله عليه وسلّم ، وإنما يحكم بشريعة نبينا محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالقرآن والسنة ، وكلّ ما فيها من أمر أو نهي فهو متعلق به كما يتعلق بسائر الأمة ، وهو نبي كريم على حاله لم ينقص منه شيء ، وكذلك لو بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم في زمانه أو في زمن موسى وإبراهيم ونوح وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم ، والنبي صلّى الله عليه وسلّم نبي عليهم ورسول إلى جميعهم.
فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ومتفق مع شرائعهم في الأصول ، لأنها لا تختلف ، وتقدّم شريعته صلّى الله عليه وسلّم فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع إما على سبيل لتخصيص وإما على سبيل النسخ أولا نسخ ولا تخصيص ، بل تكون شريعة النبي صلّى الله عليه وسلّم في تلك الأوقات بالنسبة إلى أولئك الأمم ما جاءت به أنبياءهم ، وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة هذه الشريعة ، والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات.
وبهذا بان لنا معنى حديثين كان خفيا عنا ، أحدهما : قوله صلّى الله عليه وسلّم : بعثت إلى الناس كافة ، كنّا نظن أنه من زمانه إلى يوم القيامة ، فبان أنه جميع الناس أوّلهم وآخرهم. والثاني : قوله صلّى الله عليه وسلّم : كنت نبيا وآدم