إليه ، ضرورة أنّهما متغايران أي اللّفظ المنشأ للطّلب خارجا من معنى الطّلب القائم بالنّفس ليست هذه المغايرة بينهما إلّا عين المغايرة بين كلّ مرتبة من مرتبتين الارادة والطّلب مع مرتبته الاخرى كما لا يخفى ، فلو اريد قياس الطّلب إلى الارادة وإثبات نسبة أحدهما إلى الآخر بالمغايرة أو العينيّة فلا بدّ من حفظ مرتبة واحدة في كلّ منهما ، ثمّ يقاس أحدهما إلى الآخر ، ونحن نقول : إذا لوحظا كذلك فهما متحدان مفهوما وإن ما بحذاء أحدهما في الخارج وهو الطّلب الحقيقي القائم بالنّفس عين ما بحذاء الآخر أي الارادة الحقيقية ، وإن الطّلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الارادة الانشائيّة ، فالمدعى إنّهما متّحدان مفهوما ومصداقا وإنشاء ، والدّليل على ما ذكرناه الوجدان عند طلب شيء ، والأمر به حقيقة من دون حاجة إلى مزيد تبيان وإقامة برهان ، فإن الانسان إذا راجع إلى نفسه عند ذلك لا يجد فيها ما وراء الارادة القائمة بها ومباديها من الصّفات المعروفة الّتي تكون مبادي لكلّ فعل اختياري وهي تصور الشّيء وفائدته ، ثمّ التّصديق وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لأجلها ، ثمّ الميل إليه ، ثمّ هيجان الرّغبة إليه صفة أخرى قائمة بها كي يقال أنها الطّلب ، فلا بد من الالتزام بأن تلك الإرادة وحقيقتها عبارة عن الشّوق المؤكد النّاشئ عن الصّفات المعروفة المستتبع لتحريك العضلات نحو المطلوب ، إن كان من أفعال نفسه أو لأمر عبده به وبعثه وتحريكه نحوه ، إن كان من أفعاله عين الطّلب وحقيقته ، فذلك الشّوق مسمى بهما يعبر عنه بالطّلب تارة وبالإرادة أخرى.
وكذا الحال في سائر الصّيغ الانشائيّة والجمل الجزئيّة ، فإن الإنسان بعد مراجعة وجدانه فيها لا يرى في نفسه غير حقائق معانيها من التّمني والتّرجي والاستفهام والعلم بثبوت النّسبة بين طرفها أو بينها صفة أخرى قائمة بها تكون مدلولا عليها