منهم مع أنا نجدهم كثير ما عاصين بالجوانح والجنان أو بالجوارح والأركان ، فلا بدّ من الالتزام إمّا بنفي التّكليف بالمرّة عن العاصين مطلقا ، وهذا خلاف المفروض ، أو ببقائه بمعنى الطّلب في حقّهم دون الإرادة وهذا مذهب الأشاعرة.
وأمّا الدفع : فهو أن هذه مغالطة قد أشرنا إلى فسادها فيما تقدم ، وتوضيحه أنه ليس المراد بالاتّحاد اتحاد الطّلب الحقيقي مع الإرادة الحقيقية الّتي يستحيل تخلفها عن المراد ، بل المراد اتحاده مع الإرادة الحقيقية الّتي يمكن تخلفها عن المراد ، وذلك لأن الإرادة على قسمين : إرادة تكوينيّة ، وهي عبارة عن علمه تعالى بالصّلاح العام والنّظام الكلّي الاحسن السّاري في جميع الكائنات على الوجه الكامل التّام الذي لا يتصور منه أحسن النّظام ، وهذا غير قابل للتّخلف عن المراد مطلقا ، وإن تعلق بمثل الكفر أو الايمان أو بالاطاعة أو العصيان. وإرادة تشريعيّة ، وهي عبارة عن علمه تعالى بالمصلحة في فعل المكلف أو نفس التّكليف أو أحدهما بناء على تبعيّة التّكليف لها على الخلاف في تلك المسألة ، فإن القائل بالتّبعيّة مختلفون في أنه هل يعتبر وجود المصلحة في فعل المكلف أو في نفس التّكليف أو يكفي وجودها في أحدهما ، ولسنا هنا بصدد تحقيقها ، وعلى أي تقدير الارادة الّتي لا بد منها في التّكليف ونقول بأنها على الطّلب هي الثّانية دون الاولى.
ولا يتوهّم : أنّه لو كانت الإرادة التّشريعية عبارة عن العلم بالمصلحة والإرادة التّكوينيّة عبارة عن العلم بالنّظام الأحسن وكلّ منهما نحو من العلم ، فيلزم أن يكون في حقّه تعالى علمان ولا يتصور التّعدد في علمه لانّه عين ذاته المقدّسة ، وذلك لأن تعدّد العلوم في حقّه إنّما هو في طرف المعلوم وباعتباره لا في طرف العلم في نفسه باعتبار وجوده في الخارج ، فإنه باعتباره عين وجوده خارجا ، وهو بسيط