ظاهرهما وجوب المسارعة إلى أسباب المغفرة والاستباق إلى الخيرات ، ومن أسباب المغفرة والخيرات الإتيان بالمأمور به ، فيجب فيه المسارعة والاستباق وهذا معنى وجوب الفور ، ففيه : أنه لو سلم ظهورهما في الوجوب المولوي فقضيتهما إثبات الفور فالفور ، إذ لو أتى بالمأمور به في ثاني الحال بعد الإخلال به فورا يصدق عليه أيضا المسارعة والاستباق إلى الخيرات ، فيجب وهكذا في سائر الأحوال ، فقضيتهما وجوب الإتيان بالمأمور به فورا ففورا ، إلّا أن ظهورهما في الوجوب مشكل ، لأنّه يستلزم تخصيص الكثير بل الأكثر للّزوم خروج المضيقات مطلقا والمستحبّات الموسعة ، فإن حكم المسارعة والاستباق فيها لا يزيد على أصل حكمها إذ لا يزيد الفرع على الأصل ، وكذا الواجبات الموسعة الّتي دلّ الدّليل على جواز التّأخير فيها كالصّلوات الخمس مثلا ، فتبقى تحت العموم الواجبات الموسعة الّتي ليست كذلك كقضاء الصّلوات والصّوم بناء على المضايقة ، وهي بالنّسبة إلى ما خرج عن العموم قليل جدا ، فلا محيص من حمل الأمر فيهما إمّا على خصوص النّدب أو على مطلق الطّلب أو على الإرشاد إذ لا يبعد دعوى استقلال العقل برجحان المسارعة والاستباق إلى الخيرات مطلقا ، خير الخير ما كان عاجله ، فيكون مساق الآيتين ونحوهما من الإخبار مساق الأدلة الآمرة بإطاعة الله وإطاعة الرّسول كقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في كونها إرشادا إلى ما يترتب على نفس المسارعة والاستباق والإطاعة وإن لم يكن فيها هذا الأوامر كما هو الشّأن في تمام الأوامر الإرشاديّة ، فاستفادة الوجوب أو الاستحباب متوقفة على دلالة أخرى غير هذه الأوامر كما هو ظاهر.
وأقول : خروج المضيقات عن عموم الآيتين من باب التّخصص لا التّخصيص ،