وجود المقتضي له المؤثر في إيجابه فعلا ، لو لا المزاحمة بالأمر الفعلي بالضّد الآخر فيما إذا فرض مضيقا دونه أو فرض أهم منه فيما إذا فرضنا مضيقين حيث أن ذلك الأمر بالواجب الفعلي منهما مانع عن الأمر بغيره كذلك كالصّلاة في أوّل الوقت مع الإزالة الواجبة فعلا ، فإن وجوبها كذلك وإن كان يمنع عن الأمر بالصّلاة فعلا إلّا أنهما مع هذا باقية على ما فيها من الرجحان في نفسها والمحبوبيّة لله تعالى ، والخصوصيّة المقربة والمصلحة اللازمة المقتضية لإيجابها لكونها (ناهية (عن الفحشاء ، ومعراج المؤمن ، وقربان كل تقي) وخير موضوع) ضرورة أن الأمر بها ناشئ من هذه لا أنها ناشئة عنه ، نمنع ما ذكره إذ يكفي في صحّة العبادة وإجزائها والتّقرب بها إلى الله تعالى مجرد إتيانها بداعي ما فيها من المحبوبيّة ونحوها ممّا تقتضي الأمر وإن لم يصح تعلقه بها فعلا لأجل المزاحمة إذ بعد إيجادها كذلك يسقط ملاك الأمر فلا يبقى ما يقتضي إيجابها ثانيا وهذا هو المراد بصحّتها وإجزائها.
وقد تصدّى جماعة من الأعلام : لتصحيح الضّد في المقام لا بما ذكرناه من الوجه ، بل بتصحيح الأمر به في مقابل البهائي المنكر له لكن لا بنحو الإطلاق ، بل بنحو التّرتّب ، إمّا على عصيان الأمر الفعلي بالآخر بنحو الشّرط المتأخر ، وإمّا على العزم والبناء عليه بنحو الشّرط المتقدم أو المقارن فأثبتوا في مقام تزاحم الواجبين أمرين ، أمر مطلق بما هو واجب فيهما فعلا وأمر معلق على عصيان الأمر المطلق أو على العزم والبناء عليه بالآخر ، ففي المثال المتقدم على ما ذكروا كأنّه ورد هكذا أزل النّجاسة عن المسجد مطلقا ، وورد أيضا أن عصيت هذا الأمر أو عزمت على عصيانه فأقم الصّلاة فعلا بدعوى أنه لا مانع عقلا من توجه هذين الأمرين وتنجزهما عند حصول شرط المعلق منهما من عصيان الأمر الأوّل وإن لم يتحقق