المكلّف مخير بين إتيان الطّبيعة بأي واحدة منها فإنّها في موطن الخارج ليست إلّا عين الفرد لصدقها عليه حقيقة وانطباقه عليها خارجا ، فلو تعلق طلب المولى بإيجاد الطّبيعة كما في الأوامر يكون المكلّف مخيّرا عقلا بين إيجادها في ضمن أيّ فرد ، بخلاف ما لو كان متعلق الأحكام الأفراد بخصوصيّاتها وتشخصاتها ، إذ على هذا يلزم أن يكون التّمييز العقلي المعروف في جميع موارده شرعيّا أو عرفيّا على حسب اختلاف الموالى وإن لم يسمّ بالتّمييز الشّرعي أو العرفي اصطلاحا ، لوضوح أن متعلق الحكم في جميع تلك الموارد ليس إلّا الفرد لكن لا بخصوصيّة معيّنة ، بل بإحدى الخصوصيّات لا على التّعيين ، فيكون التّخيير بين الأفراد حينئذ مستفادا من قبل اللّفظ ولسان الآمر فيكون مستندا إليه شارعا كان أو غيره لا إلى العقل.
وبالجملة قضية القول بتعلق الأحكام بالأفراد رجوع التّخيير العقلي المعروف إلى التّخيير الشّرعي في الشّرعيّات كما أنّ قضيّة القول بتعلقها بالطّبائع رجوع التّخيير الشّرعي كالتّخيير بين الصّيام والإطعام إلى التّخيير العقلي فيما إذا كان التّخيير لا بملاك المزاحمة بالبرهان الذي سيأتي إن شاء الله.
وكيف كان : الحقّ تعلق الأحكام بالطّبائع لأنّه ممّا يساعد عليه اللّفظ والوجدان والبرهان ، أمّا اللّفظ فلأن الأمر لا يدلّ إلّا على تعلق الطّلب بإيجاد نفس الطّبيعة وإن فرضت مقيّدة لا بخصوصيّاتها المفردة وعوارضها الخارجيّة ، كما أن النّهي لا يدلّ إلّا على تعلق الطّلب بترك نفس الطّبيعة إن كانت موجودة وباستمرار عدمها إن كانت معدومة لا بخصوصيّاتها وعوارضها وإن كانت في الخارج لا تنفك عنها.
وأمّا الوجدان : فلأن الإنسان إذا راجع إلى نفسه عند أمره عبده أو ولده أو نحوهما ممن له عليه جهة مولويّة بفعل من الأفعال وإن قيده وحدّده بأمور كثيرة