وهذا كلّه تعين ما تقدم في مادة الأمر ، وكذلك كلّ خلاف وقع في صيغة الأمر من المباحث المتقدمة فيها جار في صيغة النّهي أيضا ، والمختار هنا المختار هناك ، فتكون ظاهرة وصفا أو انصرافا في خصوص طلب التّرك على وجه الحتم واللّزوم من غير دلالة لها على أزيد من هذا المعنى من المرة والتّكرار والفور والتّراخي على حذو صيغة الأمر وإن كانت قضية النّهي عقلا ، الدّوام والاستمرار فيما فرض مطلقا ، حيث أن متعلقه ترك الطّبيعة ، وهو لا يتحقق إلّا بترك جميع أفرادها دفعيّة كانت أو تدريجيّة إن لم تكن الطّبيعة مقيدة بحال أو زمان ، بخلاف الأمر فإن متعلقه إيجاد الطّبيعة ، وهو يحصل بإيجاد فرد واحد ، وسيأتي توضيح هذا إن شاء الله.
ويعتبر في النّاهي علو المرتبة خاصة لا مع استعلائه ، ولا يكفي مجرّد استعلائه ، وإن الدّواعي على إنشاء معناها وهو الطّلب الإنشائي من التّعجب أو التّهديد أو السّخرية ونحوها ، ممّا عد نظائرها من المعاني لصيغة الأمر من قبيل الدّواعي لا المعاني ، فاستعمالها في تلك المقامات على نحو الحقيقة لا التّوسع والمجاز ، وهكذا الكلام في سائر ما تقدم من المباحث في صيغة الأمر ممّا يمكن جريانها في صيغة النّهي بعين ما تقدّم هناك.
نعم في النّهي خلاف يختص به وهو أن المطلوب بالنّهي هل هو التّرك ومجرّد أن لا يفعل كما هو الظّاهر والأقوى ، أو خصوص الكفّ؟ ربّما يتوهّم الثّاني استنادا إلى أن التّرك ومجرّد عدم الفعل ليس اختياريا ومقدورا للمكلّف ، بل العدم أزلي مسبوق لوجود الفاعل ، فطلبه منه يكون من قبيل طلب الحاصل بخلاف طلب الكفّ منه فإنه من أفعاله الاختيارية وتحت قدرته ، فهو لا بدّ من أن يكون متعلق النّهي إذ ليس في مورده من الأفعال الاختياريّة ما يحتمل تعلقه به سواه.