يكون تركه أيضا اختياريّا ومقدورا لاستواء نسبة الاختيار والقدرة إلى طرفي النّقيض وإلّا لكان الفعل واجبا أو ممتنعا ، لأن الاختياري والمقدور ليس إلّا ما كان كلّ من طرفي وجوده وعدمه باختيار المكلّف وإرادته على حدّ سواء بحيث لو شاء فعله ولو شاء تركه ، فإن كان وجوده اختياريّا ومقدورا فلا جرم يكون تركه كذلك ، وليس المطلوب بالنّهي العدم الأزلي كي يكون طلبه من قبيل طلب الحاصل ، بل العدم الحادث ، فإن إبقاءه واستمراره باختياره ، له أن يطرده ويقلبه إلى الوجود حسب الفرض فله أن يبقيه على حاله ، وهذا هو متعلق النّهي ، إذ لا يكون إلّا اختياريّا ومقدورا ، فيصحّ أن يتعلق به الطّلب والبعث.
نعم التّرك ومجرّد أن لا يفعل خفيف المئونة ، فإنّه أمر عدمي ، وعدم الشّيء يكفي فيه عدم كلّ واحدة من مقدّمات وجوده ، فإن عدم وجود العلّة لوجود الشّيء علّة لعدمه ، بخلاف الكفّ ، فإنّه وجودي وإن كان من أفعال النّفس ، والفعل الوجودي مطلقا يتوقف على المقدّمات الوجوديّة من تصوّر الشّيء ، ثمّ هيجان الرّغبة إليه ثمّ الجزم به ، وهذا هو الذي يسمى بالحكم ، ثمّ العزم والإرادة ، وهذا هو الذي يعبر عنه بالشّوق المؤكد ، والمقدّمة الأولى وإن كانت مشتركة بين الوجود والعدم ، إلّا أن سائرها مختصّة بالوجود ، فمع انتفاء كلّ واحدة منها يتحقق العدم ، مثلا إذا تصوّر الزّنى وما هاجت رغبته إليه لا يتحقق عنه الزّنى ولو هاجت رغبته إليه ولكن ما جزم به ولم يتحقق له مرتبة الحكم والتّصديق لا يتحقق عنه أيضا ، ولو حصلت هذه ولكن لم يشأ ولم يتحقق له العزم والإرادة والشّوق المؤكد لا يتحقق عنه أيضا ، ولو حصلت جميع هذه المقدّمات ولكن بدا له وانفسخ عزمه لا يتحقق منه أيضا ، فعند عدم كلّ واحدة من هذه المقدّمات يتحقق التّرك بخلاف الكفّ ، إذ لا بدّ له من