ولو حصلت جميع هذه المقدّمات ولكن بدا له وانفسخ عزمه لا يتحقق منه أيضا ، فعند عدم كلّ واحدة من هذه المقدّمات يتحقق التّرك بخلاف الكفّ ، إذ لا بدّ له من تحققها بالنّسبة إلى نفس الكفّ ومن تحقق الاشتياق إلى نفس الفعل الحرام كي يمكن صدور الكفّ اختيارا ، فمجرّد التّرك خفيف المئونة دون الكفّ ، ولو اريد به ما يتحقق بعد عدم كلّ واحدة من المقدّمات الوجوديّة فهو حقّ ، لكنه ليس بكفّ حقيقة فالنّزاع على هذا يصير لفظيّا.
وكيف كان : النّهي وإن كان كالأمر في أنّه لا يدلّ بمدلوله الهيئي أو المادي على الفور أو التّراخي والمرّة أو التّكرار ، إلّا أن قضيتهما عقلا تختلف ولو مع وحدة تعلقهما بأن فرضت طبيعة واحدة مطلقة أو مقيدة بحال أو زمان تعلق بها النّهي مرّة والأمر اخرى ، لوضوح أن المطلوب بالنّهي تركها وهو لا يكاد يحصل إلّا بترك جميع أفرادها ، تدريجيّة كانت أو دفعيّة ، فلا محالة يقتضي عقلا الدّوام والاستمرار مطلقا إن لم يقيد بزمان أو الحال بخلاف الأمر فإن المطلوب به وجودها وهو يحصل بوجود فرد واحد منها ، فلا يقتضي الدّوام والاستمرار وإن فرضت الطّبيعة المأمور بها مطلقة ، وإن قيد بزمان أو حال فلا يقتضي النّهي عقلا إلّا ترك جميع أفرادها في ذلك الزّمان أو الحال بخلاف الأمر كما لا يخفى.
* * *