المجمع ، فإذا أبقاه تحت الطّبيعة المأمور بها وإن كانت في أقصى مراتب المصلحة ، والطّبيعة المنهي عنها في أدنى مراتب المفسدة ، كان هذا نقضا لغرض النّهي لوضوح أنّه لو رخص في تحصيل غرض الأمر بفعل المجمع يلزمه التّرخيص في ترك تحصيل غرض النّهي ، وهذا قبيح لا يصدر عن الحكيم ، ولذا لو دار علاج بعض الأمراض بين شرب دواء لا يتضرّر به أصلا وبين شرب الدّواء آخر ينفع في دفع المرض ولكنّه يورث ضررا آخر لا يرتكب العاقل شرب الثّاني ، بل يختار الأوّل ، والمجمع وإن كان يحصل غرض الأمر لما فيه من جهة المصلحة ، إلّا أنّه يفوت غرض النّهي لما فيه من جهة المفسدة ، فلا بدّ للمولى الحكيم من إخراجه عن تحت الطّبيعة المأمور بها تحصيلا لكلّ من غرضيه ، وإن راجعنا إلى العقلاء نجدهم كذلك في أفعالهم الاختيارية وأوامرهم لا يختارون لتحصيل أغراضهم فعل ما فيه جهة مفسدة مع تمكّنهم من تحصيلها بفعل ما لا يفسده به ولا يأمرون عبيدهم إلّا بما كان محصّلا للغرض من الأمر بحيث لا يعمّمون متعلّقه لما كان مصداقا لما نهوا عنه أيضا.
نعم ، إن كانت ذلك الفرد ممّا لا يمكن تحصيل غرض الأمر إلّا بفعله وفرض كونه من غرض النّهي صحّ الأمر به حينئذ كما لو حبس في المكان المغصوب وفرض أن جهة الأمر بالصّلاة ومصلحتها غالبة على جهة النّهي عن الغصب ومفسدته فإنّه لا محذور حينئذ في الأمر بها ، إذ بعد تزاحم الجهتين والفرضين يكون مقتضي الأمر بها أقوى ، فهو يؤثّر ، ولكنّ المجمع الّذي يختاره المكلّف في مقام الامتثال ليس من هذا القبيل حسب الفرض فلا بدّ من أن يكون خارجا عن ما تعلّق به الأمر ، وإلّا لكان الأمر به ولو تخييرا بينه وبين سائر الأفراد نقضا لغرض النّهي أيضا ، فما عن المشهور من وقوع التّزاحم بين الجهات وحصول الكسر والانكسار على القول