لا يقتضي الفساد بل يقتضي الصحّة في الآخرين كما سيأتي ، إلّا أنّ يدعى قيام قرينة عامّة في المعاملات تكون صارفة عن ظهور النّهي عنها في الحرمة الذّاتيّة إلى الإرشاد وإلى فسادها وعدم ترتب الأثر عليها ، كما أن الأمر كذلك في باب الأمر بها ، فإنّه وإنّ كان ظاهرا في الايجاب أو الاستحباب ذاتا ، إلّا أنّ هذا المعنى غير مراد أو منه قطعا ، بل المراد به الإرشاد إلى إمضائها وصحّتها ، فكما أنّه إذا ورد : بع بيع الفلاني ، يحمل على الإرشاد إلى صحّته ، كذلك إذا ورد : لا يقع بيع الفلاني فيحمل على الإرشاد إلى إلّا فساده أنّ من المعلوم فساد هذه الدعوى في المعاملة بالمعنى الأعم المقابل للعبادة ، لأنّها بالمعنى الأعم تجري في أبواب كثيرة ، وأنّى يصحّ لأحد دعوى ظهور النّهي عنها في الإرشاد إلى الفساد وإنّ سلمت دعوى ظهور الأمر بها في الإرشاد إلى الصحّة ، لوضوح أن وجوبها غالبا بل دائما إنّما يكون بسبب العوارض والطوارئ كانفاق نفقة أو أداء دين ونحو ذلك ، ولذا يحمل الأمر بها إلى الإرشاد وإلى صحّتها ، ولكن مثل هذه القرينة غير موجودة عند النّهي عنها ، فيبقى على ظهوره في الحرمة الذّاتيّة بلا صارف عنه ، وقد عرفت أن الحرمة الذّاتيّة لا تنافي الصّحة.
نعم : لو قوبل النّهي عن المعاملة أو تحريمها بالأمر بمعاملة أخرى أو إباحتها كما في قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) اقتضى النّهي الفساد بقرينة المقابلة ، ولو صحّت هذه الدّعوى فانّما تصحّ في المعاملة بالمعنى الاخصّ ، أعني خصوص العقود والايقاعات ، وليست ببعيدة فيها ، فلو لم يقابل النّهي عن معاملة بالأمر بغيرها ولم تقبل الدّعوى المذكورة حتّى في المعاملة في المعنى الأخص ، فلا بدّ في كلّ مقام من ملاحظة دليله ، هل معه قرينة خاصّة صارفة عن ظهور النّهي أو مادّة الحرمة في