يوجب اختلافها في الحقيقة اذ على هذا القول أيضا استعمال الالفاظ في معانيها الشّرعية حقيقة مطلقا سواء اريد بها الصّحيحة أو الاعم فكيف ينازع في أنّها أسام للصّحيحة أو الاعم؟
وغاية ما يمكن تصويره على القول بالعدم هو أن النّزاع وقع في أن الشّارع هل جعل الاصل في محاوراته واستعمالاته الالفاظ مجردة عن القرينة حملها على خصوص الصّحيحة أو الاعم؟ بمعنى أنه نصب فيها قرينة عامة تكون صارفة عن معانيها اللغوية ، ولكنه هل جعلها معينة أيضا لارادة خصوص الصّحيحة فلا تحمل على غيرها إلّا بقرينة أخرى ، أو لم يجعلها كذلك فلا تكون القرينة العامة الا معينة لارادة الاعم ، فلا موجب لحملها على خصوص الصحيحة إلّا مع القرينة.
الصّحيحي يدعي الاوّل والأعمّي يدعي الثّاني فهم متفقون في أن الشّارع كأنه قال : كلّما تكلّمت بالفاظ العبادات لم أرد بها معانيها اللغوية كالدّعاء من لفظ الصّلاة مثلا ، بل اردت بها معانيها الّتي اخترعتها كالاركان المخصوصة والماهيّة المعهودة من الصّلاة. إلّا أنه وقع الخلاف بينهم في أنه هل عين إرادة خصوص الصّحة كما يدعيه الصّحيحي ، أو الاعم كما يدعيه الأعمّي؟ فقضية الاصل على النّوع الاوّل حمل الالفاظ الواردة في كلمات الشّارع أو المتشرعة ومنهم الشّارع على الصّحيحة إلّا مع القرينة. بخلاف الوجه الثاني ، وبمثل هذا الوجه يمكن تصوير النّزاع على مذهب الباقلاني أيضا ، بأن يقال : إن النّزاع وقع في ان الشّارع لما تصرف في المعاني اللغوية ونصب قرينة عامة لإرادته بالالفاظ معانيها الشّرعية ، فهل جعل الاصل الأولي فيها حملها على خصوص الصّحيحة أي تام الأجزاء والشّرائط فلا ينتقل عنه إلّا بقرينة اخرى ، أو لم يحصل في ذلك أصلا؟