أما الدعوى الأولى : فلأن وجوب القصر وجواز الإفطار في حال السفر قد ثبتا في الشريعة المقدسة بالكتاب والسنة هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ان السفر المأخوذ في موضوعها أمر عرفي وهو بهذا المعنى العرفي مأخوذ فيه على الفرض ومن ناحية ثالثة أنه لا شبهة في صدق عنوان المسافر على من خرج من البلد قاصداً السفر ولا يتوقف هذا الصدق على وصوله إلى حد الترخص. فالنتيجة على ضوء هذه النواحي ان مقتضى إطلاق الكتاب والسنة وجوب القصر وجواز الإفطار مطلقاً ولو قبل وصوله إلى حد الترخص أي بمجرد صدق عنوان المسافر عليه ولكن قد قيد هذا المطلق في عدة من النصوص به يعني حدد وجوب القصر وجواز الإفطار فيها بخفاء الأذان والتواري عن الجدران الّذي عبر عنه في كلمات الفقهاء بخفاء الجدران نظراً إلى أنه لا طريق للمسافر إلى تواريه عن الجدران الا بخفائه وإلا فهذه الكلمة لم ترد في نصوص الباب. فالنتيجة ان هذه الروايات توجب تقييده بما ذكر ، وعليه فما لم يصل المسافر إلى الحد الترخص لم يجب عليه التقصير وعلى ضوء هذا البيان فإذا خفي أحدهما دون الآخر فالمكلف وان شك في وجوب القصر وجواز الإفطار الا ان المرجع فيه ليس أصالة البراءة عنه واستصحاب بقاء التمام ، بل المرجع الأصل اللفظي وهو الإطلاق المتقدم ومقتضاه وجوب القصر في هذا الفرض دون التمام.
وأما الدعوى الثانية : وهي ان المورد داخل في كبرى الرجوع إلى الأصل اللفظي دون العملي فيظهر حالها مما بيناه في الدعوى الأولى ، وتوضيحه : هو ان القدر الثابت من تقييد هذه المطلقات الدالة على وجوب القصر وجواز الإفطار مطلقاً هو ما إذا لم يخف الأذان والجدران معاً حيث ان الواجب عليه في هذا الفرض هو التمام وعدم جواز الإفطار ، وأما إذا خفي أحدهما دون الآخر فلا نعلم بتقييدها ، ومعه لا مناص من الرجوع