نحو القضايا الحقيقية التي لا تتوقف على وجود موضوعها في الخارج ، فان قوام تلك القضايا انما هو بفرض وجود موضوعها فيه سواء أكان موجوداً حقيقة أم لم يكن ، مثلا قول الشارع (شرب الخمر حرام) ليس معناه ان هنا خمراً في الخارج وان هذا الخمر محكوم بالحرمة في الشريعة ، بل مرده هو ان الخمر متى ما فرض وجوده في الخارج فهو محكوم بالحرمة فيها سواء أكان موجوداً في الخارج أم لم يكن.
الثانية : مرتبة الفعلية وهي مرتبة ثبوت ذلك الحكم في الخارج بثبوت موضوعه فيه ، مثلا إذا تحقق الخمر في الخارج تحققت الحرمة المجعولة له في الشريعة المقدسة.
ومن الطبيعي ان هذه الحرمة تستمر باستمرار موضوعها خارجاً فلا يعقل انفكاكها عنه حيث ان نسبة الحكم إلى الموضوع من هذه الناحية نسبة المعلول إلى العلة التامة ، وعليه فإذا انقلب الخمر خلا فبطبيعة الحال ترتفع تلك الحرمة الفعلية الثابتة له في حال خمريته ، ضرورة انه لا يعقل بقاء الحكم مع ارتفاع موضوعه وإلا لزم الخلف.
وبعد ذلك نقول : ان ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه ليس من النسخ في شيء ولا كلام في إمكانه ووقوعه في الخارج ، وانما الكلام في إمكان ارتفاع الحكم عن موضوعه (المفروض وجوده) في عالم التشريع والجعل ، المعروف والمشهور بين المسلمين هو إمكان النسخ بالمعنى المتنازع فيه (رفع الحكم عن موضوعه في عالم التشريع والجعل) ، وخالف في ذلك اليهود والنصارى فادعوا استحالة النسخ واستندوا في ذلك إلى شبهة لا واقع موضوعي لها ، وحاصلها هو ان النسخ يستلزم أحد محذورين لا يمكن الالتزام بشيء منهما.
أما عدم حكمة الناسخ أو جهله بها وكلاهما مستحيل في حقه تعالى ،