والسبب فيه ان تشريع الأحكام وجعلها منه سبحانه وتعالى لا محالة يكون على طبق الحكم والمصالح التي هي تقتضيه ، بداهة ان جعل الحكم جزافاً وبدون مصلحة ينافي حكمة الباري تعالى فلا يمكن صدوره منه.
وعلى هذا الضوء فرفع الحكم الثابت في الشريعة المقدسة لموضوعه لا يخلو من أن يكون مع بقاء الحال على ما هو عليه من جهة المصلحة وعلم الناسخ بها أو يكون من جهة البداء وكشف الخلاف كما يقع ذلك غالباً في الأحكام والقوانين العرفية ولا ثالث لهما ، والأول ينافي حكمة الحكيم المطلق فان مقتضى حكمته استحالة صدور الفعل منه جزافاً.
ومن المعلوم ان رفع الحكم مع بقاء مصلحته المقتضية لجعله أمر جزاف فيستحيل صدوره منه والثاني يستلزم الجهل منه تعالى وهو محال في حقه سبحانه.
فالنتيجة ان وقوع النسخ في الشريعة المقدسة بما أنه يستلزم المحال فهو محال لا محالة.
والجواب عنها ان الأحكام المجعولة في الشريعة المقدسة من قبل الحكيم تعالى على نوعين : (أحدهما) ما لا يراد منه البعث أو الزجر الحقيقيّين كالاحكام الصادرة لغرض الامتحان أو ما شاكله.
ومن الواضح أنه لا مانع من إثبات هذا النوع من الأحكام أولا ثم رفعه حيث ان كلا من الإثبات والرفع في وقته قد نشأ عن مصلحة وحكمة فلا يلزم من رفعه خلاف الحكمة ، لفرض ان حكمته ـ وهي الامتحان ـ قد حصلت في الخارج ومع حصولها فلا يعقل بقائه ، ولا كشف الخلاف المستحيل في حقه تعالى حيث لا واقع له غير هذا. (وثانيهما) ما يراد منه البعث أو الزجر الحقيقي يعني ان الحكم المجعول حكماً حقيقياً ومع ذلك لا مانع من نسخه بعد زمان ، والمراد من النسخ كما عرفت هو