والتحقيق : انه إذا أريد بضرورة الاشتراك ما يعم الاشتراك الناتج من الوضع العام والموضوع له الخاصّ ، نظرا إلى أنه يؤدي إلى كون اللفظ الواحد مشتركا بين معنيين أو معان ولو بوضع واحد ، فالصحيح هو ان الاشتراك بهذا المعنى ضروري ، إذ بدونه لا بد أن نفترض لكل ربط ونسبة لفظا دالا عليه ولما كان كل ربط مغايرا ذاتا وماهية لأي ربط آخر ولا جامع بين الربطين ولو كان طرفا الربطين فردين من جامع واحد ـ على ما يأتي في المعاني الحرفية ـ فهناك إذن أنحاء من الربط غير متناهية لعدم تناهي الأفراد والجزئيات ، ولا يتوفر من الألفاظ ما يوازيها عددا ليكون لكل معنى لفظ يختص به.
وإن أريد بضرورة الاشتراك ضرورة تعدد وضع لفظ واحد لمعنيين أو أكثر من أجل عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ ـ كما هو المقصود بالاشتراك عند إطلاقه عادة ـ فيرد عليه :
أولا : ان جعل لفظ يدل على كل معنى من المعاني الاسمية أو الحرفية لا ينحصر طريقه بالاشتراك بهذا المعنى المساوق لتعدد الوضع بعدد الدلالات الوضعيّة ، بل يمكن أن يحصل عن طريق الوضع العام والموضوع له الخاصّ فالاشتراك بالمعنى المساوق لتعدد الوضع غير ضروري ولو سلمنا عدم تناهي المعاني وتناهي الألفاظ.
وثانيا : ان الحاجة إلى الاستعمال في حياة الإنسان لا يمكن أن تتعلق إلا بمقدار محدد من تلك المعاني غير المتناهية لأنها فرع تصور الإنسان للمعنى لوضوح ان ما لا يتصور فعلا لا يحتاج إلى استعمال اللفظ فيه. فالأوضاع إذن لا يمكن أن تزيد عن المجموع الكلي للمعاني التي تصورها الإنسان في حياته ، وحيث ان هذا المجموع محدود ومتناه فلا يتطلب إلا أوضاعا متناهية وبالتالي ألفاظا متناهية. ولا فرق في ذلك بين أن يقال ان الواضع هو نفس المستعمل أو هو الله سبحانه وتعالى ، فان الّذي يدعو إلى الوضع دائما إنما هو حاجة المستعمل والحاجة إلى الاستعمال في معنى فرع تصوره ، ولما كان التصور محدودا كان الوضع محدودا لا محالة.
وثالثا : ان الاشتراك إذا كان قد وقع ضرورة بسبب زيادة المعاني على الألفاظ لكان من الطبيعي ان لا نجد لفظا مهملا مع ان الألفاظ المهملة في اللغة كثيرة