هذا الاعتراض غير وارد على صاحب الكفاية ( قده ) ، وذلك لأن ثمرة الحقيقة الشرعية عنده هي الحمل على المعنى الشرعي لا التوقف بينه وبين المعنى اللغوي ، وهذا إنما يحصل إذا ثبت وضع من الشارع إذ شأن من يؤسس معنى ويضع له اللفظ أن يخصص اللفظ به بحيث يجعل مجرد الإتيان به دالا على مخترعه بلا حاجة إلى إقامة قرينة أصلا. وبتعبير آخر : ان السيرة جارية على النقل من قبل المؤسس ، واما إذا كانت الحقيقة سابقة فلا وجه للنقل بل يكون للفظ حينئذ معنيان لغويان ونتيجة ذلك مع عدم القرينة التوقف لا محالة.
والتحقيق : أن مجرد كون المعاني الشرعية قديمة وإن كان لا يستلزم انها كانت بنفس هذه الأسماء الخاصة ولكن مع هذا يمكن دعوى ان كثيرا من تلك المعاني الشرعية كانت بنفس هذه الأسماء قبل الإسلام فيكون المعنى واللفظ كلاهما قديما فالحج مثلا وما فيه من مناسك وآداب كان معروفا ومعهودا قبل الإسلام حتى سميت السنة في اللغة بالحجة ، وكذلك الصلاة والصيام وجملة من العبادات الأخرى لم تكن غربية عن ذهنية الناس قبل مجيء الإسلام. وكأن صاحب هذه المدعي يفترض ان الإسلام جاء بهذه التصورات والمعاني في مجتمع لم يعش حياة دينية ولم يسمع شيئا عن العبادات والطقوس الثابتة في الشرائع السابقة ، ومثل هذا الزعم مما لا يساعد عليه الاعتبار التاريخي لمجتمع الجزيرة العربية قبل الإسلام ولا اللغوي.
فان مجتمع الجزيرة كان فيه جمع غفير من أصحاب الديانتين السابقتين على الإسلام ، وكان تعيش تفاعلا مستمرا مع أصحابهما وهم يمارسون مختلف عباداتهم التي جزء كبير منها مشترك بينهما وبين الإسلام ، بل كان في القبائل العربية الأصيلة نفسها من اعتنق إحدى الديانتين. ومن البعيد افتراض انهم كانوا لا يطلقون اسما عربيا على تلك العبادات رغم شيوعها ودخولها في محل ابتلائهم ، ولو كانت مسماة عندهم بأسماء أخرى لانعكس ذلك في لغتهم ولنقله تاريخ الأدب العربي لا محالة.
ومما يعزز قدم الأسماء ان الإسلام والقرآن الكريم منذ بداية الوحي طرح نفس الأسماء واستعملها لإفادة تلك العبادات يوم كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مستضعفا وليس في مرحلة إيجاد عرف لغوي جديد ، وهذا يعني ان تلك الألفاظ لم تكن بدعا من التعبير