أمثلة القسم الثاني من أقسام القواعد الفقهية التي سيأتي الحديث عنها.
وعلى ضوء ما ذكرناه من معنى القاعدة يتضح أيضا : ان القاعدة الأصولية في بحث مقدمة الواجب ليست هي ان مقدمة الواجب واجبة بل الملازمة. لأن الملازمة لها وحدة ثبوتية في تقررها ، واما وجوب مقدمة الواجب فليست له هذه الوحدة ، إذ لم يتعلق جعل بوجوب كلي مقدمة الواجب وإنما مقدمة كل واجب واجبة بوجوب مجعول بتبع وجوب ذيها وكون مقدمة الواجب واجبة مجرد تجميع لتلك الجعول.
الثاني : ما يكون بنفسه حكما واقعيا كليا مجعولا بجعل واحد كقاعدة ( ما يضمن ) الراجعة إلى الضمان باليد. وهذا يصدق عليه القاعدة بالمعنى الفني لوحدته الثبوتية جعلا وكليته ، غير انه لا يمكن أن تقع في طريق إثبات جعل شرعي لأنها هي بنفسها الجعل الصادر من الشارع وإنما تقع في طريق تطبيقات وتخصصات هذا الجعل ؛ وهذا يخرج إذا أوضحنا ان المراد بالحكم الّذي مهدت القاعدة الأصولية لإثباته الجعل لا ما يعم حصصه وتطبيقاته. فضمان المشتري للسلعة في البيع الفاسد وإن كان يستخرج من القاعدة المذكورة ولكنه ليس مجعولا برأسه بل هو حصة من الحصص المجعولة بذلك الجعل الواحد. ومن هذا القسم أيضا قاعدة ( لا ضرر ) بناء على تفسيرها بحرمة الضرر والإضرار فانها على هذا تكون بنفسها جعلا شرعيا يقع في طريق إثبات تطبيقاته وتحصصاته الخارجية ، بخلاف ما إذا فسرت بنفي الحكم الضروري بحيث يكون وزانها وزان نفي العسر والحرج فانها على هذا التفسير الّذي هو المشهور والمعروف بينهم تقع في طريق إثبات الجعل سعة وضيقا ، إلا أنها لا تكون قاعدة بالمعنى الفني لها كما تقدم.
فالقاعدة الأصولية لا بد أن تقع في طريق إثبات جعل شرعي ، وهذا هو نكتة ما لوحظ سابقا من أن نتيجة القاعدة الأصولية نسبتها إليها ليست نسبة التطبيق بل نسبة الاستنباط والتوسيط ، وهذا إنما يصح فيما إذا كانت القاعدة الأصولية جعلا شرعيا لأن التطبيق معناه حينئذ كون النتيجة من صغريات القاعدة الأصولية ومصاديقها وهذا خلف كونها جعلا مستقلا برأسه ، فلا بد من أجل ذلك أن تكون النسبة بين القاعدة الأصولية والنتيجة نسبة الاستنباط لا التطبيق.