وان بني في تفسير الماضي على الفرضية الثانية أمكن القول هنا تعميماً لتلك الفرضية بأن هيئة فعل الأمر موضوعة ابتداء لنسبة تامة تصادقية وهذه النسبة التصادقية امَّا أن تكون نسبة تصادقية بين نفس المدلول الأصلي للمادة والفاعل فلا بدَّ أن تكون حينئذ بلحاظ وعاء الطلب لا بلحاظ وعاء التحقق. وإِمَّا أن تكون نسبة تصادقية بين الإرسال نحو المادة والفاعل بأن يلحظ مدلول المادة في ( اضرب ) لا بما هو حدث الضرب بل بما هو إرسال نحو الضرب فيكون الإرسال مطعماً في مدلول المادة بدلاً عن أخذه في مدلول الهيئة ، كما هي الحال على أساس الفرضية الأولى وقد يأتي مزيد بحث وتوضيح في مفاد صيغة افعل في فصل الأوامر وسنخ هذا التطعيم لا بدَّ من الالتزام به في المضارع إِذا قيل بأنَّ هيئة الماضي والمضارع موضوعة للنسبة التصادقية التامة على نحو واحد ليحفظ الفرق بين الفعلين.
ثمَّ انَّ هناك مقالة لبعض النحاة في عدم النّظر إلى فعل الأمر قسيماً للماضي والمضارع. ووافقه على ذلك بعض الباحثين المحدّثين مدعياً : انَّ بناء « افعل » ليس بفعل كما يفهم من هذه الكلمة ، لأن الفعل لا بدَّ وأن يتميّز بشيئين أحدهما متفرّع على الآخر :
١ ـ أن يبنى على المسند إليه ويحمل عليه.
٢ ـ أنَّه مقترن بالدلالة على الزمان.
وبناء « افعل » خلو من هاتين الميّزتين لأنَّه لا يشير إلى تلبّس الفاعل بالفعل في حال بل كلّ ما يشير إليه أو يدلّ عليه هو طلب الفعل من المواجه بالطلب. ومن هنا لا تكون له دلالة على الزمان أيضا إِذ ليس هناك من فعلي لكي يكون تلبّس الفاعل به واقعاً في أحد الأزمنة (١).
وقد اتّضح بطلان هذه المقالة على ضوء ما تقدّم في تحليل مدلول الأفعال ، فانَّ دلالة الفعل على تلبّس فاعله به لا يقصد منها الدلالة على وقوع ذلك خارجاً بل المقصود أن الفعل والحدث تارة : يلحظ في نفسه فيكون اسماً ، وأخرى : تلحظ نسبته إلى
__________________
(١) راجع « في النحو العربي » ص ١٢٠ ـ ١٢١