الدليل الأول ـ ويتألف من مقدمتين :
أولاهما ـ ان لكل علم غرضا يترتب عليه ، والأغراض المترتبة على العلوم من نوعين :
١ ـ أغراض تدوينية ، وهي التي تطلب من وراء تدوين العلم أو تعليمه للآخرين ، ولذلك يكون هذا النوع من الأغراض المطلوبة في العلوم متنوعة ومختلفة من شخص إلى آخر.
٢ ـ أغراض ذاتية تترتب على كل علم في نفس الأمر والواقع مع قطع النّظر عن مرحلة التدوين والتعليم. وهذا النوع من الأغراض يكون بمثابة المعلول للعلم ويكون ترتبه على مسائل العلم من سنخ ترتب المعلول على علته ، وعلى هذا الأساس كان
لكل علم غرض واحد ـ ولو بالنوع ـ يترتب عليه. فعلم النحو مثلا يترتب عليه غرض الصيانة من الخطأ في المقام وعلم المنطق يترتب عليه غرض الصيانة من الخطأ في الفكر ، وهكذا سائر العلوم الأخرى.
الثانية ـ تطبيق كبرى فلسفية تقول بأن الواحد لا يصدر إلا من واحد بعد تعميمها إلى الواحد بالنوع ، فيقال هنا : بأن وحدة الغرض المترتب على مسائل كل علم تكشف لا محالة عن وحدة بالنوعية جامعة بين تلك المسائل بمعنى وجود قضية واحدة كلية يكون موضوعها جامعا بين موضوعات المسائل ومحمولها جامعا بين محمولاتها وتكون تلك القضية هي العلة في ترتب ذلك الغرض الواحد.
وقد نوقش في المقدمة الأولى من هذا الدليل : بإنكار ترتب تلك الأغراض على مسائل العلم في ذاتها وواقعها ، كيف ولو كان الأمر كذلك لزم ان لا يقع في الخارج خطأ في المقال أو الفكر مثلا لثبوت المسائل النحوية أو المنطقية في نفس الأمر والواقع.
وأجيب عنه تارة : بأن المقصود كون مسائل العلم في نفسها سببا في ترتب الغرض وليس المراد ترتبه عليها فعلا ومن دون قيد أو شرط ، فلا مانع من اشتراط معرفة المسائل وتعلمها في تحقق الغرض المنشود منها خارجا وإن شئت قلت : انها علة للتمكن من عدم الخطأ في الفكر أو المقال.