وهذا التقسيم لبحوث علم الأصول إن كان مجردا اختيار تصنيف معين للمسائل الأصولية فلا كلام. وإن كان على أساس ملاحظة نكتة فنية تقتضي هذا الترتيب بين المسائل الأصولية ، فان كانت تلك النكتة هي الطولية والترتب بين الأقسام المذكورة في عملية الاستنباط بحيث لا يمكن الانتهاء إلى قسم الا حيث يفقد القسم الأسبق. اتجه عليه :
أولا : عدم الطولية بين القسمين الأولين.
وثانيا : ثبوت الطولية داخل المجموعة الثانية والثالثة. فان الحجج والأمارات ـ العلوم التعبدية بحسب مصطلحه ـ وكذلك الأصول العملية الشرعية ليست كلها في مرتبة واحدة بل بعضها مقدم على بعض في عملية الاستنباط. فالعلم التعبدي الحاصل من دلالة دليل قطعي السند مقدم على الحاصل من دلالة دليل ظني. والوظيفة الشرعية المقررة بالاستصحاب مقدمة على الوظيفة المقررة بالبراءة ... وهكذا.
وثالثا : تأخر مرتبة المجموعة الرابعة على الثالثة لا يكون صحيحا على جميع المباني الأصولية في قاعدة الاشتغال العقلية ، فان من جملة المسالك علية العلم الإجمالي للموافقة القطعية التي تعني ان حكم العقل بالاشتغال تنجيزي حاكم على إطلاق دليل البراءة الشرعية.
وإن كانت تلك النكتة هي الطولية بين الأقسام من حيث مراتب الإثبات ودرجاته ، وان ذلك تارة : يكون بالعلم الوجداني ، وأخرى : بالعلم التعبدي ، وثالثة : بالأصل الشرعي ، ورابعة : بالوظيفة العقلية ، فهذا إنما يتجه على مباني مدرسة المحقق النائيني ( قده ) في تفسير الأمارات والأصول وإرجاع الفرق بينهما إلى سنخ المجعول فمتى ما كان المجعول هو العلمية والكاشفية كانت الأمارة ومتى ما كان المجعول شيئا آخر كان الأصل. واما بناء على ما هو الصحيح من أن الأمارية والأصلية ليستا بلحاظ سنخ المجعول وان صياغة المجعول وكونه بلسان جعل الطريقية أو المنجزية أو الوظيفة مجرد تعابير وألسنة لفظية وان مرد الفرق الواقعي بين الحكم الظاهري في مورد الأمارة والحكم الظاهري في مورد الأصل إلى كون الأول نتيجة لإيقاع التزاحم بين الملاكات الواقعية في مقام الحفظ وتقديم بعضها بملاك قوة الاحتمال وكون الثاني نتيجة