عالية ، فانه لم يكن يتعرض لمسألة من المسائل العلمية سيما في الأصول والفقه ، إلا ويذكر فيها من الصور والمحتملات ما يبهر العقول. وهذا هو جانب الاستيعاب والإحاطة المعمقة في فكره.
وقد ظهرت هذه السمة العلمية ، وهذه الخصيصة ، حتى في أحاديثه الاعتيادية. فكان عند ما يتناول أي موضوع ، ومهما كان بسيطا واعتياديا ، يصوغه صياغة علمية ، ويخلع عليه نسجا فنيا ، ويطبعه بطابع منطقي مستوعب لكل الاحتمالات والشقوق ، حتى يخيل لمن يستمع إليه انه امام تحليل نظرية علمية تستمد الأصالة والقوة والمتانة من مبرراتها وأدلتها المنطقية.
٣ ـ الإبداع والتجديد :
ان حركة العلوم والمعارف البشرية وتطورها ترتكز على ظاهرة التجديد ، والإبداع ، التي تمتاز بها أفكار العلماء ، والمحققين في كل حقل من حقول المعرفة. وقد كان سيدنا الشهيد ( قده ) يتمتع في هذا المجال بقدرة فائقة على التجديد وتطوير ما كان يتناوله من العلوم والنظريات ، سواء على صعيد المعطيات ، أو في الطريقة والاستنتاج. ولقد كان من ثمرات هذه الخصيصة انه استطاع أن يفتح آفاقا للمعرفة الإسلامية لم تكن مطروقة قبله.
فكان هو رائدها الأول ، وفاتح أبوابها ، ومؤسس مناهجها ، وواضع معالمها ، وخطوطها العريضة ، وستبقى المدرسة الإسلامية مدينة لهذه الشخصية العملاقة في هذه الحقول. وخصوصا في بحوث الاقتصاد الإسلامي ، ومنطق الاستقراء والتاريخ السياسي لأئمة أهل البيت عليهمالسلام.
٤ ـ المنهجية والتنسيق :
ومن معالم فكر سيدنا الشهيد منهجيته الفنية الفريدة ، والمتماسكة لكل بحث كان يتناوله بالدرس والتنقيح. ومن هنا نجد ان طرحه للبحوث الأصولية والفقهية يمتاز عن كافة ما جاء في دراسات وبحوث المحققين السابقين عليه من حيث المنهجية والترتيب الفني للبحث. فتراه يفرز الجهات والجوانب المتداخلة والمتشابكة في كلمات الآخرين ، خصوصا في المسائل المعقدة ، التي تعسر على الفهم ويكثر فيها الالتباس والخلط ، ويوضح الفكرة ، وينظمها ، ويحللها بشكل موضوعي وعلمي لا يجد الباحث المختص نظيره في بحوث الآخرين. كما كان يميز بدقة طريقة الاستدلال في كل موضوع ، وهل أنها لا بد وان