تعالى (١) ( زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ ) الى آخره وارد مورد الذم ، خرج منه ما أجمع علي رجحانه ، فيبقى غيره تحت العموم ، وبأن في النكاح تعريضا لتحمل حقوق الزوجة والاشتغال عن كثير من المقاصد الدينية ، فالأولى تركه إلا مع خشية العنت ، فيستحب لمكان الحاجة.
ويمكن الجواب عن الأول بأن المدح بذلك في شرع غيرنا لا يلزم منه وجوده في شرعنا ودعوي أن الأصل بقاء الشرائع السابقة إلا ما دل الدليل على نسخة ـ فان شرعنا ليس ناسخا لجميع ما في الشرائع السابقة بل المجموع من حيث هو مجموع ، للقطع ببقاء كثير منها كأكل الطيبات ، ونكاح الحلال ، والعبادات الثابتة في جميع الملل ، وأيضا فوروده في كتابنا الذي هو في شرعنا من دون إشارة إلى نسخه دليل على بقائه فيه ، وإلا لم يحسن مدحه عندنا ـ يدفعها أن الكتاب العزيز والسنة المتواترة الدالين على استحباب النكاح في شرعنا مطلقا يثبت بهما النسخ ، ويخرج بهما عن مقتضى الأصل ، والمدح على ترك الشهوة الغير الراجحة في شرعه ، لحصر النفس ومنعها عن اللذات حسن في شرعنا وإن كانت راجحة فيه ، مع أن التوصيف بالحصور لم يقع خطابا لأهل شرعنا ابتداء حتى يجب حسنه عندهم ، وانما خوطب به زكريا عليهالسلام في مقام البشارة بالولد ، وذلك يقتضي حسنه عنده لا عندنا.
وربما أجيب أيضا بأنه كان مكلفا بإرشاد أهل زمانه في بلادهم المقتضى للسياحة ومفارقة الزوجة المنافيتين لرجحان التزويج ، فلذلك مدحه على تركه ، لا لأن ترك التزويج من حيث هو كذلك مطلوب ومراد حتى يدل على مرجوحيته ، والحاصل أن النزاع في حكم التزويج بالنظر إلى تركه المطلق ، ولا ينافي استحبابه كذلك رجحان الترك على وجه مخصوص ، وما يقال : ـ إن مثله وارد في شرعنا الذي يستحب فيه التزويج لا تركه ـ يدفعه منع ورد مثله في شرعنا ، ضرورة وجوب رجوع الناس إلى من يحتاجون اليه ، لا أنه يجب عليه السياحة لتعليمهم ، ولو سلم ذلك لوجب القول بترك التزويج لمن هذا شأنه ، فإن ملازمة التغرب والسياحة مما
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ـ ١٤.