يستغفر له من في السماوات والأرض حتى الطير في الهواء والحيتان في الماء » (١) و « أن عالما ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد » (٢) إلى غير ذلك من الفضائل التي لا تحصى كثرة على وجه يقطع ذو الفطرة السليمة الواقف على تمام ما ورد في فضيلة العلم والعلماء أنه أفضل السعادات وأشرف الكمالات ، وأنه ينبغي تقديمه على كل فضيلة ، وإيثاره على كل طاعة ، سواء في ذلك التزويج وغيره ، وما ورد في الأخبار من فضل النكاح ليس مما يدانى فضيلة العلم ، ولا مما يقاربه ، فلا يصلح المعارضة به ، ولا الشك في أفضلية العلم بسببه ، وان لم يذكر ذلك صريحا فيما ورد به ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، فالواجب حينئذ تقديمه على ما يضاده ويعارضه ، والاجتهاد في قطع ما يقدر عليه من العوائق الشاغلة والعلائق المانعة عن تحصيله ، أو عن الاستكمال فيه ، ولا ريب أن التزويج من أكبر الشواغل وأعظم الموانع حتى اشتهر « أن العلم ذبح في فروج النساء » وقيل : « من تعود أفخاذ النساء لم يفلح ».
لكن قد يناقش بأن النزاع هنا في التفاضل بين طبيعتى النكاح والتخلي للعبادة من حيث هما نكاح وتخل للعبادة ، من غير اعتبار خصوصية في النكاح أو التخلي ، بل بمجرد النظر إلى الجنسين ، نحو قولك : « الرجل خير من المرأة » والتفاضل بينهما على هذا الوجه لا يقتضي أفضلية كل فرد من النكاح على القول بأفضليته ولا العكس ، بل يجوز على الأول أن يكون بعض أفراد التخلي أفضل منه نظرا إلى خصوصيته وإن كان مفضولا ومرجوحا بالنظر إلى طبيعته ، وحينئذ يكون التفصيل المزبور ضائعا ، ضرورة كون النظر فيه الى خصوصيات الأفراد ، والنظر في المسألة إلى نفس الطبيعتين ، فلا ينسلك التفصيل في جملة أقوال المسألة ولا يعد من احتمالاتها ، كما يؤيد ذلك حصر الأصحاب الأقوال في المسألة في القولين ، حيث إنهم بعد أن نقلوا الخلاف عن الشيخ في استحباب النكاح لمن لم تتق نفسه قالوا : إنه على القول بالاستحباب فهل هو أفضل أم التخلي؟ فيه قولان.
__________________
(١) كنز العمال ـ ج ٥ ص ٢٠٣ ـ الرقم ٤١٣٩ ولم يذكر فيه « الطير في الهواء ».
(٢) أصول الكافي ـ ج ١ ص ٣٣.