بل من ذلك يظهر الجواب عما قيل على القول بأفضلية النكاح من أنه يقتضي كونه أفضل من التخلي لتحصيل العلم ، مع ما فيه من الفضائل التي لا توجد في آخر لا في التزويج ، ولا في غيره ، فان ذلك انما يتوجه لو كان المراد تفضيل النكاح على جميع أنواع التخلي للعبادة ، وقد عرفت أن المقصود تفضيله على طبيعة التخلي ، مع قطع النظر عن خصوصيات أفراده ، على أن المتبادر من العبادة ما تكون من جنس الأعمال لشيوع استعمالها فيه ووقوعها في مقابلة العلم ، فلا يدخل التخلي لتحصيل العلم في محل النزاع وإن قلنا إن النزاع في تفاضل الأفراد والأنواع دون الطبائع والله العالم.
وكيف كان فاعلم أن النكاح إنما يوصف بالاستحباب مع قطع النظر عن العوارض اللاحقة ، وإلا فهو بواسطتها تجرى عليه الأحكام الأربعة الباقية ، فيجب مع النذر وشبهه ، لرجحانه بالأصل ، ومع ظن الضرر بالترك ، لوجوب دفع الضرر المظنون ، قيل : وعند خوف الوقوع في المحرم بدونه ، وفيه أن ذلك لا يقتضي الوجوب ، ضرورة بقاء الاختيار الذي يكفي في عدم الوقوع فيه ، فلا يتوقف على التزويج ، اللهم إلا أن يريد أن أحد الأفراد التي تكون سببا لعدم الوقوع في المحرم ، وهو كما ترى ، ويحرم إذا أفضى إلى الإخلال بواجب ، كالحج ، ومع الزيادة على الأربع ، ويكره مع انتفاء الشهوة بالكلية ، كما في العنين والمريض مرضا ملازما يمنعه عن الوطء ، فان الظاهر رجحان الترك بالنسبة إليه ، لانتفاء مصالح النكاح فيه ، ومنعه الزوجة من التحصن بغيره ، ولاشتغاله عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه ، كذا قيل ، وفيه أن إثبات الكراهة المصطلحة بذلك لا يخلو من نظر ، ويتصف بالإباحة إذا تضمن تر النكاح مصلحة تساوي مصلحة الفعل ، فان ذلك قد يتفق ، كما إذا خاف من تلف مال معتد به له بواسطة التزويج أو تضييع عيال له في محل آخر مع وجود الشهوة وكمال الرغبة ، قيل : وكذا مع عدم قصد الامتثال وإرادة الطاعة بالتزويج ، فان النكاح إنما يتصف بالاستحباب مع قصد التقرب به ، فبدونه يكون مباحا ، وفيه ما عرفت من عدم اعتبار ذلك في مستحب المعاملات