وعاش متهتكا فاسقا فارغا من كل القيم الأخلاقية. طلب المغني المعروف ابن عائشة فغناه بصوت رخيم ، فطرب الأمير الأموي على غنائه حتى فقد صوابه. فقال للمغني : أحسنت ، أحسنت ، ثم نزع ثيابه ، فألقاها عليه ، وبقي مجردا إلى أن أتوه بمثلها ، ووهب له ألف دينار ، وحمله على بغلة ، وقال : اركبها بأبي أنت ، وانصرف ، فقد تركتني على مثل ( المقلى ) من حرارة غنائك (١).
ثم استقدم مغنيا آخر ، عطردا ، ولما سمع منه أحد أصواته شق عليه حلة وشي ، ورمى بنفسه في بركة خمر ، فما زال بها حتى أخرج كالميت سكرا ، ولما أفاق قال لعطرد : كأني بك قد دخلت المدينة ، فقمت في مجالسها وقعدت ، وقلت : دعاني أمير المؤمنين ، فدخلت عليه فاقترح علي فغنيته وأطربته ، وشق ثيابه ، وفعل ، والله لئن تحركت شفتاك بشيء مما جرى فبلغني لأضربن عنقك ، ثم أعطاه ألف دينار فأخذها وانصرف إلى المدينة (٢).
ومن مجانهم أيضا يزيد بن عبد الملك ، فقد طلب ابن عائشة فلما مثل عنده أمره بالغناء ، فغناه صوتا طرب منه حتى ألحد في طربه ، وقال لساقيه : اسقنا بالسماء الرابعة (٣). هكذا أشاع هؤلاء الملوك الفسق والفجور في جميع أنحاء العالم الإسلامي وبصورة خاصة في يثرب للقضاء على قدسيتها ، وما تتمتع به من مكانة مرموقة في نفوس المسلمين لكنهم فشلوا لأن كلمة الله هي العليا وأنصار الحق لا يهزمون مهما صادفوا من ظلم وجور وطغيان ، بل حمدوا وجاهدوا وأعطوا دروسا في التضحية والفداء ما زالت مشاعل مضيئة على دروب المجاهدين.
__________________
(١) الأغاني ، ج ٨ ، ص ٣٢٤.
(٢) الأغاني ، ج ٣ ، ص ٢٢٦.
(٣) الأغاني ، ج ٣ ، ص ٣٠٧.