هذا خلاف واضح لما تبناه من الموقف تجاه منهجهم في التحقيق والاستدلال على إثبات مسائلهم ، ولکن الغالب عليه إتباعه لواحد من هذه الأساليب ، حتى اتخذه منهجاً له في معرفة ما هو حق عما هو باطل ، فامتدحه مدحاً غريباً وعجيباً ، مع أنّه لا يعکس الحقيقة إلا في حالة الصفو والخلوة من وجود أي نوع من أنواع التعلقات النفسية بالخارج عنها ، أو بداخلها من قوى ورغبات وميولات ، فما هو الضامن من حصول هذه الأمور بحيث تکسوها النفس بکسوة الحق والحقيقة ، ولکن حتى لو سلمنا عدم حصول هذه الأمور ، واکتفينا بما ذکره الغزالي في مجموع کتبه ومؤلفاته التي ألفها لوجدنا فيها التناقض والتنافي بين آرائه في هذه الأساليب التي ذکرناها في بداية هذه المسألة ، فقد نُقِلَ عنه موقف سلبي مع المنهج الکلامي ، ذکره في کتابه إحياء العلوم حيث جاء فيه : ( إن أدلته موجودة في الکتاب والأخبار مشتملة عليه ، وفيما عدا ذلک يثير الشبهات في العقائد ، يجر إلى الجدل العقيم الذي يعکر صفاء الإيمان الصحيح ... ). (١)
في حين نجد الغزالي في رسالته اللدنية ، يجعل علم التوحيد (٢) أشرف العلوم وأجلها وأکملها ، فهو علم ضروري وواجب تحصيله على جميع العقلاء ... والأعجب من کل هذا وذاک ، أن الغزالي رغم کل هذه الانتقادات التي ذکرنا بعضها في هذه المسألة ، والتي لا يسعنا المجال لذکرها ، نجده يعد نفسه واحداً من المتکلمين ، مدافعاً عن جملة من القضايا التي طرحها وتناولها أستاذه إمام الحرمين الجويني ، وبعض التي بحثها أبو الحسن الأشعري ، وأدل دليل على إتباعه المنهج الکلامي الذي يعتبره منهجاً جدلياً من جهة ، ومعتمداً على ظاهر النقل من جهة أخرى ، هو ما انتهجه في مسألة إثبات البدن والجسم الأخروي ، حيث کان فيه مقلداً وتابعاً لما
ــــــــــــــــ
١. أبو ريان ومحمد علي ، تاريخ الفکر الفلسفي في الإسلام ، ص ١٨٥.
٢. يقصد الغزالي بعلم التوحيد هو علم الکلام ، کما جاء في بعض کتاباته التي دونها في مصنفاته ؛ فتدبر !