الإنسان عن الحقيقة والمعرفة بما يتعلق به وبالمحيط الذي يعيش فيه ، ولم يقتصر طلبه على العالم الحسي ، بل تعدى ذلک إلى عالم ما وراء الطبيعة ، وکان من أعقد المسائل التي واجهته هي مسائل ما وراء الحس والطبيعة ، لأنها تتعلق بأمور غيبية لم يکن بوسع الإنسان أن يتوصل إليها عن طريق الوسائل العلمية والحواس الظاهرية ، وما دام الحس الفطري عنده فهو لم يقف موقف المتفرج من دون أن يبدي فيها رأياً في السلب أو الإيجاب ؛ لأنه إن لم يبد فيها رأياً تبقى تهاجمه فتسلب النوم من عينه ، والراحة من نفسه ، فيعيش منغصاً مهموماً محزوناً کئيباً ، بينما لو أبدي رأياً فيها ، وإن لم يکن موافق الواقع والحقيقة لکنه يحس بالراحة والاطمئنان ، ومن جملة هذه المسائل الغيبية ، هي ما يتعلق بالمستقبل المجهول له ، ولا طريق للحس لإدراکها ، إلاّ أن الله سبحانه وتعالى شاءت رحمته بعباده أن يجعل للإنسان طرقاً لمعرفتها تتناسب مع حقيقتها وواقعيتها ، فمنها ما لا يدرك إلاّ بالوحي السماوي ، ومنها ما يدرك بالكشف والشهود ، ومنها يدرک بالعقل الإنساني ، وهو القوة المفکرة عند الإنسان التي يدرک بواسطتها الأمور الکلية ، ولم يترک الباري عز وجل صغيرة ولا کبيرة إلاّ بينها عن طريق الوحي إلى أنبيائه الذين بعثهم إلى إرشاد الناس وتعليمهم وهدايتهم في ما يتعلق بمختلف شؤونهم الاجتماعية والسياسية والعلمية وأمورهم الشخصية. ولا يخفى أن الطريق الأخير ـ الوحي السماوي ـ متوقف على الإيمان برسالات الأنبياء : ، والتعبد بأقوالهم عند عجز العقل عن إدراک تلک الحقائق والمعارف ، التي يکون أغلبها حقائق ومعارف جزئية لا طريق للعقل إلى إدراکها ، ولکن مع هذا حصلت عدة اعتراضات وشبهات في هذا الباب من المعارف الغيبية ، ومنها مسألتنا ـ طبيعة المعاد في اليوم الآخر ـ ولم تکن هذه المسألة خاصة بقوم دون آخرين ، بل هي مشکلة العالم بأسره ، وإن الکثير منها لا يقتصر على طلب الحقيقة والمعرفة ، بل هي مظاهر للتخرصات والخيالات والمعاندات للحق المبتنية على أساس الظن والوهم دون الدليل عليها عقلاً أو شرعاً ، وقد طالبهم الله في أربع