بعبارة قصيرة ومختصرة جداً لا تتناسب مع عظم وأهمية المسألة ، وقد وجه هذا الأمر الفخر الرازي في بعض کتاباته قائلاً فيه : ( ... إنّما لم يشرحه کثير شرح ، لما قال إنه ظاهر لا يحتاج إلى زيادة بيان ، نعم ربما يميل کلامه وکلام کثير من القائلين بالمعادين إلى معنى ذلک أن يخلق الله تعالى من الأجزاء المتفرقة لذلک البدن بدناً ، فيعيد إليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن ، ولا يضرنا کونه غير البدن الأول ، بحسب الشخص ، ولامتناع إعادة المعدوم بعينه ، وما شهد به من النصوص من کون أهل الجنّة جرداً مرداً ، وکون ضرس الکافر مثل جبل أحد ... ). (١) وکان هذا الأمر واحداً من جملة المعرقلات والمعوقات التي واجهناها عند البحث عمّا جاء به الغزالي في مسألة المعاد الجسماني ، ولکن مع هذا القدر البسيط الذي ذکره الغزالي في المسألة ، أتضح لنا أنّه يقول بتجرد النفس الإنسانية ، وعدم فسادها بفساد البدن ، وأنّ البدن العنصري يلحقه العدم أو التفرق والضلالة في الأرض ، وبناءً على جواز الأمر الأول انعدام البدن فإنّه يخالف بعض المتکلمين القائلين بجواز إعادة المعدوم ، لأنه يذهب إلى القول باستحالة إعادة المعدوم ، وعندئذ اضطرب کلامه في إثبات عينية البدن الأخروي مع البدن الدنيوي ، في الوقت الذي يذهب إلى القول بالمعاد الجسماني وينقض على القائلين بالروحاني من الفلاسفة ، فاحتاج إلى مادة يخلق منها البدن الأخروي ، فقال : ( ... إنّ الروح تعاد إلى بدن آخر غير الأول ، ولا يشارک له في شيء من الأجزاء ... إلى أن قال : فإن قيل : هذا التناسخ ، قلنا : سلمنا ولا مشاحة في الأسماء ، والشرع جوّز هذا التناسخ ومنع غيره ... ) ، (٢) فقد جوّز التناسخ الملکي في عالم الآخرة ، ولم يجوّزه في عالم الدنيا ، کما جاء في ذيل هذه العبارة من قوله : « ومنع غيره » ، إشارة إلى ما ذکرنا ، ولکن أبطلنا کلا القسمين من دون فرق کونه في الدنيا أو في عالم الآخرة ، وقلنا بجواز التناسخ الملکوتي القائم على أساس
ــــــــــــــــ
١. نقلاً عن : سعد الدين التفتازاني ، شرح مقاصد ، ص ٩١.
٢. محمد أبو حامد الغزالي ، تهافت الفلاسفة ، ص ٧٨.