کانت الدنيا في نظرهم فترة قصيرة بعدها حياة لها أمر غير محدود ، بل إن دنيانا ليست إلا ممر إلى ذلک الخلود ... ). (١)
ثم أن الأستاذ « أنطوان ذکرى » رفع الإشکال المقدر الذي يرد على کلام الشيخ أبو زهرة الذي مرَّ في الفقرة السابقة ، من أن اهتمامهم الکبيرفي الحياة ما بعد الموت وتحقيرهم لعالم الدنيا ، قال : ( لا يعني أنهم ترکوا الاهتمام بالحياة الدنيا ، وأهملوها وعاشوا فيها زاهدين ، بل إن فکرة الحياة الآخرة سيطرت على تفکيرهم تماماً ، ومهما يکن من شيء فإن التاريخ نقل لنا صورة واضحة عن خلود النفس عند المصريين ، أوضح من سائر الأمم الأخرى ، وإن تغلغل هذه الفکرة في نفوسهم يفسر لنا سر اهتمامهم بکل ما من شأنه أن يخلد ذکراهم ، أو يساعد في ظنهم على حفظ أجسادهم للحياة الآخرة ) ، (٢) ولذا يعزو صاحب الأدب والدين المقابر المصرية القديمة إلى أنه ليس حب التظاهر والکبرياء ، هو الذي جعل المصريين الأقدمين يصنعون قبوراً خالدة غير قابلة للمحو والزوال ، وإنما السبب الحقيقي هو اعتقادهم في خلود النفس في الحياة الأخرى.
ولا شک في قبول ما جاء به الأستاذ « انطوان ذکرى » في الجملة لا بالجملة ؛ بمعنى إننا نقبل کلامه بنحو جزئي لا بنحو مطلق ؛ لأن اهتمامهم ببناء الأهرامات بالشکل المشهود الذي ساعد على خلودها وخلود قبور أمواتهم ، لا يخلو من حب التظاهر والتفاخر ؛ لأنها حالة طبيعية عند أصحاب الفنون والصنعة ، ولا تضاد لها مع فکرة الخلود؛ والدليل على ذلک لم يکن هذا اللون من الاهتمام في بداية حياتهم ، قبل بناء الأهرامات ، ومقابر الملوک.
ويستخلص « الأنبا يؤانس » من طريقتهم الأولى في دفن أمواتهم قبل بناء الأهرامات ومقابر الملوک ، التي کانت تدفن على هيئة القرفصاء بحيث تکون رقبته
ــــــــــــــــ
١. الشيخ محمد أبو زهرة ، مقارنات الأديان القديمة ، ص ٨٦.
٢. الأدب والدين عند قدماء المصريين ، ص ١٠٧.