١. علاقة العمل بالجزاء : إن الهنود البراهمة يعتقدون أن جميع أعمال البشر الاختيارية التي تؤثر في الآخرين خيراً کان أو شراً ، لابد أن يجازي عليها بالثواب والعقاب ؛ طبقا لقانون العدل الصارم ، فالنظام الکوني الإلهي قائم على العدل المحض ، وإن العدل الکوني قضى بالجزاء لکل عمل ، وأن في الطبيعة نوعاً من النظام لا يترک صغيرة ولا کبيرة من أعمال الناس بدون إحصاء ، وبعد إحصائها ينال کل شخص جزاءه على عمله ، ويکون هذا الجزاء في هذه الحياة ، ثم أن الکهنة الهندية ترى أن يکون هنالک قانون للحياة ، يجازى فيه الخير خيراً مثله ، والشر شراً مثله ، يطلق عليه اسم « الکراما ».
ويجب أن ننبه إلى أن هذا الاعتقاد کان هو السبب في توليد عقيدة التناسخ عند الهنود البراهمة ، والتناسخ هو عبارة عن تردد الروح في الأجساد الدنيوية ، حتى تکفر ما عليها بحسب تعبييرهم وعقيدتهم ، وقد أشار البيروني إلى هذه العقيدة بقوله : ( کما أن الشهادة بکلمة الإخلاص شعار إيمان المسلمين ، والتثليث علامة النصرانية ، والاسباب علامة اليهود ، کذلک التناسخ علم النحلة الهندية ، فمن لم ينتحله لم يکن منها ، ولم يعد من جملتها ). (١)
وهذه العقيدة في الواقع جعلتهم لا يکترثون بالحياة ، وجعلتهم يستعذبون الموت ولا يخافون منه. ولذا نجد في عباراتهم ، يقولون : کيف ينکر الموت من عرف أن النفس أبدية الوجود ، ولکن الشيء الذي تستقر فيه الروح ولا تتجد فيه إلا بعد معرفة النفس هل هي شريرة أم خيرة ، ومنها نبعث عقيدتهم في الحساب ، کما سيأتي الکلام عنه بعد قليل.
٢. الحساب عند الهنود : کما ذکرنا في المسألة السابقة أن هذه المسألة تتفرع على عقيدتهم في تردد الأرواح على أساس التناسخ ، فالحساب في نظرهم يکون مباشرة بعد حلول الموت ، ومفارقة الروح للجسد الأول ، فتناسخها هو نوع من
ــــــــــــــــ
١. أبو ريحانة بن احمد البيروني ، تحقيق ما للهند من مقولة ، ص ٣٩.