وأما رأي انکسيمانس المالطي (١) يعتبر أن النفس مصدر جميع هذه الآثار الحياتية ، وأن الفساد لا يطرأ عليها ، وإنما الفساد يکون للجزء الثقيل الذي يکون بمثابة القشر للب ، وکل شخص تعرض عنه ، فإنها تذهب إلى الأعلى وهو عالم لطيف جداً وسروره دائمي ، بينما يرى الفيلسوف الکبير انباذقلس المعاصر لنبي الله داود ، (٢) أن کل نفس سافلة قشر لنفس عالية ، فالنامية قشر البهيمية ، وهي قشر الناطقة ، وهي قشر العقل ، وبواسطة لباب النفس ترجع إلى عالمها ، والنفوس الجزئية من أجزاء النفس الکلية ، والجزئية جاءت من العالم العلوي وإليه ترجع.
وأما فيثاقورس فقد اشتهر عنه أنه يقول : ( إن الإنسان عالم صغير والعالم إنسان کبير ، وإن النفس قد أبدعت قبل الاتصال بالبدن من تأليفات أولية ، فإذا هذب الخلق على ما يناسب الفطره وتبردت من المتعلقات الخارجية فإنها ستتصل بعالمها الأصلي ... على هيئة أجمل وأکمل من الأولى ). (٣)
وأما فلاسفة اليونان ، کسقراط وأفلاطون وأرسطو ، فهم أيضا يذهبون إلى أن النفس موجود مجرد وجدت قبل الأبدان بنحو من الوجود ، وغرضها من الاتصال بالبدن على ما ذهب إليه سقراط هو الاستکمال ، وببطلان الأبدان ترجع إلى عالمها الکلي ، بينما يري أفلاطون أن سبب ارتباطها بالأبدان هو لذنب قد ارتکبته فأدى بها إلى الهبوط ، فلأجل تحصيل حريتها وتجردها فعليها أن تقطع علاقتها بمتعلقات البدن حتى تعود إلى عالمها النوراني الکلي السابق ، بينما لا يرى أرسطو (٤) ما يراه سقراط وأفلاطون (٥) من قدم النفس وبقائها ، وإنما يراها حادثة مع حدوث البدن ، وتفسد بفساده ما لم تصل إلى مرتبتها العقلية ، وعندئذ تتصل بالروحانيين الملائکة
ــــــــــــــــ
١. عبد الکريم الشهرستاني ، المحلل والنحل ، ج ٢ ، ب ٢ ، الفصل الأول ، ص ٣٧٤ ـ ٣٧٨.
٢. المصدر السابق ، ص ٣٨٠ ـ ٣٨٨.
٣. المصدر السابق ، ج ٢ ، ب ٢ ، الفصل الأول ، الحکماء السبعة ، ص ٤٠٧ ـ ٤١٤.
٤. راجع : فردريک کابلستون ، تاريخ فلسفة يونان وروم ، ترجمة سيد جلال الدين مجتبوى ، ج ١ ، ص ٢٤٤ ، ٢٤٥.
٥. المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٤٤ ، ٢٤٥.