بلا مأوى ، والکافر يتنعم بمختلف النعم واللذات الدنيوية ، وعندئذ لو دخل الاثنان مدخلاً واحداً ، لکان ذلک ظلماً للمؤمن ، وحينئذٍ يتنافى مع عدل الله تعالى : ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ، (١) ( أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ، (٢) فحصول المحکمة الکبرى للفصل بين ما هو حق عمّا هو باطل من مقتضي عدل الله تعالى ، وهذا الوجوب يدرکه العقل قبل تشريعه ، باعتبار أن الظلم قبيح لذاته ، والعدل حسن لذاته ، هذا بناءً على نظرية الإمامية ومن حذا حذوهم ، وبالإضافة إلى وجود المحکمة الداخلية الفطرية ، شُرِعَت محاکمٌ قضائية للحکم بين الناس ، الغرض منها تنظيم أمورهم وحفظ السلام والأمن والاستقرار ، سواء کانت تعتمد في قضائها على الحکم الشرعي أو الحکم الوضعي ، ولکن کيفما کانت لم تفِ في أداء المطلوب ؛ لأنّ الرشاوي في أغلبها فاشية ، وشهادة الزور فيها نافذة ، والطواغيت مظلومون والمحرومون ظالمون بنظر حکامها ، فيحکم فيها للظالم على المظلوم ، فلم تتحقق العدالة المطلوبة في أغلبها ، والحال أن حکمها صادر على أساس الأدلة الظاهرة ، التي يصورها کلُّ من الطرفين ، فتنتهي القضية بلا جدوى ولا ثمرة فيها ، ولذا قال الحق تعالى ناهياً عن ذلک : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ، (٣) وعليه تَطَلَّبَ الأمر وجود محکمة لا تجور ولا تظلم ، بل تعطي کل ذي حق حقه ، ولا يتحقق هذا الأمر في هذا العالم ، لعدم صلاحية هذا العالم لقيام مثل هذه المحکمة ، فلابد إذاً أن يکون في عالم آخر ، وهو عالم الآخرة الذي يکشف الله فيه الغطاء فيظهر کل واحد على حقيقته ، وحينئذ يقال للإنسان : ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) ، (٤) ( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ، (٥) ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) ، (٦)
ــــــــــــــــ
١. فصلت ، ٤٦.
٢. ص ، ٢٨.
٣. البقرة ، ١٨٨.
٤. الإسراء ، ١٤.
٥. ق ، ٢٢.
٦. البقرة ، ٢٨١.