والعقوبة بسبب الإكراه ، وإنّما تتسع التقيّة إلى أبعد من هذا ، فيدخل فيها ما ذكره المحدثون في باب المداراة ، سيّما إذا كان في خُلُقِ الشخص المدارى نوع من الفحش كما في هذا الحديث ، أو فيه نوع من الشكاسة كما كان في خُلُق مخرمة.
فقد أخرج البخاري نفسه من طريق عبدالوهاب ، عن أبي مليكة ، قال : (إنّ النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم أُهدِيَت له أقبية من ديباج مزررة بالذهب ، فقسمها في ناس من أصحابه ، وعزل منها واحداً لمخرمة ، فلما جاء ، قال : « خبأت هذا لك » (١).
قال الكرماني في شرح الحديث المذكور : (قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خبأت هذا لك. وكان ملتصقاً بالثوب وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يري مخرمة أزاره ليطيب قلبه به ، لأنّه كان في خلق مخرمة نوع من الشكاسة) (٢).
وقد استخدم هذا الاسلوب من التقيّة بعض الصحابة أيضاً.
قال السرخسي الحنفي في المبسوط : (وقد كان حذيفة ممن يستعمل التقيّة على ما روي أنه يداري رجلاً ، فقيل له : إنّك منافق !!
فقال : لا ، ولكني اشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كلّه) (٣).
وواضح من كلام هذا الصحابي الجليل ، أنّ ترك التقيّة ليس مطلقاً في كل حال وان عدم مداراة الناس تؤدي إلى نفرتهم ، وعزلته عنهم ، وربما ينتج عنها من الاضرار ما يذهب بالدين كلّه.
____________
(١) صحيح البخاري ٨ : ٣٨ ، كتاب الأدب ، باب المداراة مع الناس.
(٢) صحيح البخاري بشرح الكرماني ٢٢ : ٧ / ٥٧٥٦ ، كتاب الأدب ، باب المداراة مع الناس.
(٣) المبسوط / السرخسي ٢٤ : ٤٦ ، من كتاب الاكراه.