ليست التقيّة شبيهة بالقدر الذي كان يراه معاوية ويرجع إليه والحثالة من أنصاره وأتباعه على طول التاريخ ، كلّما أرادوا التملص من جناية ارتكبوها أو ذنب اقترفوه ، ليكون في ذلك الرجوع عذراً مقبولاً يسعهم في ارتكاب ما شاءوا من الموبقات تحت ذريعة القدر !
كما أنها ليست دعوة إلى نشر ما يوجب ضعف العزيمة والوهن ، ولادعوة لزرع اليأس والقنوط في نفوس المؤمنين لكي تتعطل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهل رأيت مفهوماً اسلامياً ثابتاً كالتقيّة يدعو إلى ذلك ؟ كيف والدين الحنيف لم تبرح مفاهيمه محلّقة وحدها في سماء الخلود ، خافقة عليها ألوية النصر والنجاح ، وتخترق بصوتها كل الآفاق حيث يحمله الهواء الطلق ؟
فالتقيّة ليست نداءً لترك تعاليم الدين طمعاً في عيش زائل وحقير ، ولا جبناً ولا هلعاً وخوفاً إذا ما اتصل الأمر بحماية الدين أو ارتبط بمصلحة المجتمع الإسلامي ومنفعة الاُمّة وحفظ كيانها ، بل ستكون حينئذ تقية على الدين بوقايته وحفظه بالمضي قدماً على طريق الجهاد وبذل كل غال ونفيس ، واقتحام الأخطار ولو كان حتف المتقي فيها.
وأما التقيّة في حفظ النفوس والأعراض والأموال في غير تلك الحال ، فإنّما تكون بالسبل المتاحة شرعاً ، ولا ضير في ذلك فهي تقية تصب في خدمة الدين من طريق آخر ، وليست كما يتصورها الجهلاء خروجاً عن المسؤولية ، وهل رأيت ديناً قام بلا نفوس ، وأُهيب جانبه بالمذلة والفقر ؟
إنّ الإسلام العظيم لم يشرّع شيئاً
عبثاً ، ولن يضره ما يلقيه المشنّعون على مفاهيمه الراقية من الشُبه شيئاً ، حتى وإن توثقوا من تمكين جملة من