فان الضرورات تقدر بقدرها. وعلى ضوء هذا نقول : ان الاحتياط الكامل في مجموع الوقائع الالف وان لم يجب لكونه عسريا ، ولكن لا نرفع اليد عنه في دائرة المظنونات ، بل كلما ظننا بوجوب شيء كان العمل بالظن واجبا ، بيد ان العمل بهذا الظن واجب لا من باب انه ظن بل لان العمل به موافق للاحتياط. ويترتب على ذلك ـ اي كون العمل بظن الوجوب لازما من باب انه احتياط ـ انا لو ظننا بعدم الوجوب فلا يجب العمل بهذا الظن لان العمل به ليس موافقا للاحتياط وانما الموافق للاحتياط هو العمل بالطرف الموهوم اي احتمال الوجوب. اذن اللازم هو العمل بالاحتياط ، غير ان الاحتياط تارة يقتضي العمل بالطرف المظنون ـ وذلك فيما اذا كان الظن ظنا بالوجوب ـ واخرى يقتضي العمل بالطرف الموهوم ، وذلك فيما اذا كان الظن ظنا بعدم الوجوب.
وباختصار : ان لازم دليل الانسداد ـ بعد رفع اليد عن الاحتياط الكامل ـ هو العمل بالاحتياط الذي قد يكون تارة مطابقا للعمل بالظن واخرى غير مطابق له ، لا انه يلزم العمل بالظن في جميع الحالات حتى يكون لازم ذلك حجية الظن.
اجل نستدرك ونقول : اذا قال قائل ان الشريعة الاسلامية لم تبن على الاحتياط لانها الشريعة السمحة السهلة ـ فلو كان الاحتياط لازما سواء كان موافقا للطرف المظنون او للطرف الموهوم لم تكن سمحة سهلة ـ امكن ان نتنزل ونرفع اليد عن الاحتياط ونجعل المدار على الظن ، فاذا حصل ظن بالوجوب اخذنا به واذا حصل ظن بعدم الوجوب عملنا به ايضا وان لم يكن العمل بالظن المذكور موافقا للاحتياط ، ولازم هذا ان الحجة هو الظن وليس المدار على الاحتياط ، وبهذا يثبت المطلوب وهو حجية الظن.