علي بن صالح ، ثم رأى أن يتخذ عملاً يعتاش منه ، ولا يكون كلاً على أحد ، وكان أهل الكوفة ينقلون الماء من الفرات إلى بيوتهم على الجمال وسائر الحيوانات فاتفق عيسى مع صاحب جمل على أن يستقي على الجمل ، ويدفع له كل يوم أجرا معينا ، ويتقوت هو بما يبقى ، وهكذا بقي أمدا طويلاً ، وهو متنكر ، وتزوج امرأة من فقراء الكوفة لا تعرفه هي ولا أهلها.
وكان لعيسى أخ اسمه الحسين بن زيد ، وله ولد يدعى يحيى ، فقال يحيى يوما لأبيه : يا أبه ، إنى أشتهي أن أرى عمي عيسى؛ فإنّه يقبح بمثلي أن لا يلقى مثله من أشياخه. فقال له : إن هذا الأمر يثقل عليه ، وأخشى أن ينتقل من منزله كراهية للقائك إياه ، فتزعجه ، فما زال يحيى يلح على أبيه ، حتى طابت نفسه ، فأعطاه صفته وصفة مكانه.
قال يحيى : ذهبت إلى الكوفة ، وفعلت ما أمرني به أبي ، وحين عانقت عمي عيسى ذعر مني كما يذعر الوحش من الانس ، فقلت : يا عم أنا يحيى بن الحسين بن زيد ، أنا ابن أخيك! فضمني إليه وبكى ، ثم أناخ جمله ، وجلس معي ، فجعل يسألني عن أهله رجلاً رجلاً ، وامرأة امرأة ، وصبيا صبيا ، وأنا أشرح له أخبارهم ، وهو يبكي ، ثم قال : يا بني ، أنا أستقي على هذا الجمل الماء ، فأصرف ما أكتسب من أجرة الجمل إلى صاحبه ، وأتقوت باقيه ، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء ، فأخرج إلى البرية ، فألتقط ما يرمي الناس به من البقول ، فأتقوته.
وقد تزوجت إلى رجل ابنته ، وهو لايعلم من أنا إلى وقتي هذا ، فولدت