أخرى ، مما يدل على أن هذا المجتمع من الناحية العقيدية كان مجتمعا خاليا من التعصب المذهبي حتى أن أحمد بن إسحاق الملقب بأبي الجود الذي ولي قضاء حلب بعد أبي الحصين كان حنفي المذهب.
لعل من الخير وقد تحدثنا عن السماحة التي كانت تسود العلاقات بين فرقتي الاسلام من سنة وشيعة في مملكة سيف الدولة أن نشير أيضا إلى وضع غير المسلمين من النصاري واليهود.
لقد عاشوا حياة آمنة مطمئنة في ظل سيف الدولة ، وبالرغم من الاتجاه العدواني الصليبي الذي تمثل في هجمات البيزنطيين على الإمارة العربية ، وما كان يحمل في ثناياه من روح التعصب الشديد على كل غير مسلم فقد شملت سماحة الحمدانيين كل غير مسلم أقام بين ظهرانيهم فعاشوا في مزارعهم ومنازلهم الريفية ، وتمسكوا بتقاليدهم الثقافية وحافظوا على لغاتهم الأصلية ، وهي الآرامية والسريانية.
ولم يكن نشاط غير المسلمين محصورا في المجتمع الشعبي وحده ، بل كانوا يلقون التسامح في قصر الأمير الذي لم يتردد في تقريب كثير منهم إليه ، حتى إن ابن دنحا أكثر خدامه صلة به وإخلاصا إليه كان نصرانيا ، وكان كبير أطبائه عيسى الرقي نصرانيا ، وكان الأمير يجزل له العطاء ويعطيه أربعة أرزاق أو أربعة مرتبات ، كما لمع منهم تحت رعاية سيف الدولة مهندسون ورياضيون فلكيون ، وأشهرهم ديونيسيوس بطريرك اليعاقبة ، والمجتبى الانطاكي ، وقيس الماروني.