وبواسطة العقل أيضا يدرك الإنسان أن وجوده وجود اجتماعي ، وأن متطلباته في الحياة متعددة ، وأنه لاينالها لوحده وبنفسه فحسب ، بل بالتعاون مع أبناء نوعه ، الذين يتصفون بالغرائز ذاتها ، ويدركون هذا الإدراك ذاته.
ثم إنّ الإنسان بعد تقبله الحياة الاجتماعية التي قوامها التعاون ، يرى ضرورة القانون الحاكم على الحياة ، وهو الذي يعين واجبات كل فرد من أفراد المجتمع ، فإذا عمّ النظام وساد في المجتمع ، عندئذ ينال كل من أفراد المجتمع السعادة المطلوبة ، التي طالما تمنّاها.
واللّه تعالى لما كان هو الذي جعل للإنسان ، قانون تكامله التكويني ، وكان عالما بخصائصه ونزعاته وما تنطوي عليه من استعدادات ، وتتطلع إليه من حاجيات ضرورية لتكامله الإنساني ، جعل على نفسه جل شأنه ، وبما ينسجم مع لطفه وعدله ، أن يضع للإنسان النظام الكفيل بتحقيق هذا النوع من التكامل.
ولما كان للتكامل الإنساني بعدان : بُعد دنيوي ، وبعد أخروي ، وأن الأخير يشكل ذروة التكامل وغايته النهائية ، فإن النظام ، أو التشريع ، الإلهي سيكون هو الوحيد الذي يضمن تحقيق التكامل ، في بعديه معا ، دون إخلال بأيّ منهما ، وعند ذلك فقط يتحقق التكامل ، وتطوي الأدوار والمراحل المتصلة والمترابطة طريقها نحو الهدف النهائي الذي تسير باتجاهه : «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ» (١)؟
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١١٥.