المدني ، وترتيب سور كلّ منهما حسب تاريخ نزولها أوّلاً فأوّل. وهو نهج أتخذه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في جمعه القرآن على التنزيل ، وكتب معه التأويل ، وهذا يعدّ أوّل مصحف جمع بين التنزيل والتأويل ، وهو الذي رواه محمد بن سيرين وتلهفّ لرؤيته فقال : « نبئت أنّ عليّاً أبطأ عن بيعة أبي بكر ، فلقيه أبو بكر فقال : أكرهت إمارتي؟ قال : لا ، ولكن آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلاّ إلى الصلاة حتى أجمع القرآن ، قال : فزعموا أنّه كتبه على تنزيل ، قال محمد : فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم » (١).
وفي رواية « الإستيعاب » ، قال ابن سيرين : « ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير » (٢).
وإذا رجعنا إلى المصادر المعنيّة نستقرئ فيها عن مصحف ابن عباس رضي الله عنه نجده أتخذ نهج الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا هو الحق.
ولكن لماذا كان ذلك هو النهج الذي ارتضاه ابن عباس؟
وللإجابة عليه : نقرأ ما رواه السيوطي عن ابن عباس ، قال : « كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ، ثم يزيد الله فيها ما يشاء ، وكان أوّل ما أنزل من القرآن : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (٣) ... ـ ثم ذكر باقي السور المكية ، ثم المدنية ـ » (٤).
____________
(١) كنز العمال ٢ / ٣٧٣ ، ط الهند الثانية.
(٢) الإستيعات ٣ / ٩٧٤.
(٣) العلق / ١.
(٤) الإتقان ١ / ١١.