وليس معنى هذا إنّ كلّ ما رواه الطبري عن ابن عباس كان صحيحاً ومقبولاً! كيف وهو نفسه روى في تفسيره بسنده عن أبي حمزة ، قال : « قال ابن عباس : لا تقولوا : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) (١) ، فإنّه ليس لله مثل ، ولكن قولوا : فإن آمنوا بالذي آمنتم به فقد اهتدوا ، أو قال : فإن آمنوا بما آمنتم به ».
لقد روى الطبري هذا ولم يرضه ، فقال : « قراءة جاءت مصاحف المسلمين بخلافها ، وأجمع قراء القرآن على تركها ». ثم قال : « فكان ابن عباس في هذه الرواية إن كانت صحيحة عنه ، يوجّه تأويل قراءة من قرأ : (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ) (٢) ، وبمثل ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل ، وذلك إذا صرف إلى هذا الوجه شرك لا شك بالله العظيم ، لأنّه لا مثل الله تعالى ذكره ، فنؤمن أو نكفر به ، ولكن تأويل ذلك على غير المعنى الذي وجّه إليه تأويله ، وإنّما معناه ما وصفناه ، وهو : فإن صدّقوا مثل تصديقكم بما صدقتم به من جميع ما عددنا عليكم من كتب الله وأنبيائه ، فقد أهتدوا » (٣).
أقول : من الغريب أن يخفى على الطبري تفاهة ما روى! فيعنّي نفسه بتوجيه ما روى عن ابن عباس ، بعد أن يكون ابن عباس وهو ترجمان القرآن لا يدري أنّ الله سبحانه وتعالى ضرب الأمثال لنفسه
____________
(١) البقرة / ١٣٧.
(٢) البقرة / ١٣٧.
(٣) جامع البيان ١ / ٥٦٩.