علم لنا ، طاشت الأحلام ، وذهلت العقول ، فإذا رجعت القلوب إلى أماكنها نزعنا من كلّ أمة شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم ، فعلموا أنّ الحق لله.
قال : وأمّا قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (١) ، فهذا وهم بالموقف يختصمون فيؤخذ للمظلوم من الظالم ، وللمملوك من المالك ، وللضعيف من الشديد ، وللجّماء من القرناء ، حتى يؤدي إلى كلّ ذي حق حقه ، فإذا أدى إلى كلّ ذي حق حقه أمر بأهل الجنّة إلى الجنّة ، وأهل النار إلى النار ، فلمّا أمر بأهل النار إلى النار اختصموا فقالوا : (رَبَّنَا هَ *ؤُلاء أَضَلُّونَا) (٢) ، (رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) (٣) ، قال : فيقول الله تعالى : (لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ) (٤) ، إنّما الخصومة بالموقف وقد قضيت بينكم بالموقف فلا تختصموا لدي.
قال : وأمّا قوله عزوجل : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) (٥) ، فهذا يوم القيامة حيث يرى الكفار ما يعطى الله أهل التوحيد من الفضائل والخير ، يقولون : تعالوا حتى نحلف بالله ما كنا مشركين ، قال : فتتكلم الأيدي بخلاف ما قالت الألسن وتشهد الأرجل تصديقاً للأيدي ، قال : ثم يأذن الله للأفواه فتنطق ، فقالوا : (لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ـ؟ ـ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) (٦) ، يعني جوراحهم » (٧).
____________
(١) الزمر / ٣١.
(٢) الأعراف / ٣٨.
(٣) ص / ٦١.
(٤) ق / ٢٨.
(٥) يس / ٦٥.
(٦) فصلت / ٢١.
(٧) تاريخ بغداد ١٢ / (٣٠٣) ـ ٣٠٤ ، الدر المنثور للسيوطي ٢ / ٣٤٥.