ولا غرابة لو ضحك فيما بكى منه ابن عمر ، فعن عبد الرزاق في تفسيره عن مجاهد ، قال : « كنت عند ابن عمر فقرأ : (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١) ، فبكى ، قال : فانطلقت حتى أتيت ابن عباس ، فقلت : يا أبا عباس كنت عند ابن عمر آنفاً فقرأ هذه الآية فبكى ، قال : أيّة آية؟ قال : قلت : (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢) ، قال : فضحك ابن عباس وقال : يرحم الله ابن عمر ، أو ما يدري فيما أنزلت وكيف أنزلت؟ إنّ هذه الآية حين أنزلت غمّت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غمّاً شديداً أوغاضتهم غيظاً شديداً ، وقالوا : يا رسول الله هلكنا ، إنّما كنا نؤخذ بما تكلّمنا ، فأمّا ما تعقل قلوبنا ليست بأيدينا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « قولوا سمعنا وأطعنا » ، فقالوا : سمعنا وأطعنا ، قال : فنسختها هذه الآية : (آمَنَ الرَّسُولُ ـ إلى قوله ـ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (٣) ، قال : فتجوّز لهم من حديث النفس وأُخذوا بالأعمال » (٤).
____________
(١) البقرة / ٢٨٤.
(٢) البقرة / ٢٨٤.
(٣) البقرة / (٢٨٥) ـ ٢٨٦.
(٤) تفسير عبد الرزاق ١ / ٣٨٠.