كتبهم ، والتي وصلت نسخ منها إلى علماء القرن الخامس الهجري ، فاعتمدوها في تآليفهم.
ومهما تكن تلك الروايات ، فإنّها لا تخلو عن كونها أخبار آحاد ، وبعضها متناف مع بعض ، ويمكن تخريج صحتها على بعض الوجوه في معاني النسخ ، للتفاوت بين المعنى اللغوي والإصطلاحي الدلالي.
ومهما يكن فإنّ ابن عباس يعتبر من أوائل المتقدمين الذين استخدموا مصطلح الناسخ والمنسوخ ، ولا غرابة في هذا ، بعد أن كان مفسراً مجلّياً ، وهو يتلو في آيات القرآن (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) (١) ، وقوله تعالى : (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) (٢) ، وقوله تعالى : (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (٣) ، فمن كان على معرفة بهذه الآيات والمراد بها لا يستغرب منه لو قال فيها : « فأوّل ما نسخ من القرآن القبلة ، وقال : (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) ، إلى قوله : (إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) (٤) ، وذلك بأنّ الرجل كان إذا طلق أمرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً فنسخ ذلك ، وقال : (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (٥) » (٦).
____________
(١) البقرة / ١٠٦.
(٢) النحل / ١٠١.
(٣) الرعد / ٣٩.
(٤) البقرة / ٢٢٨.
(٥) البقرة / ٢٢٩.
(٦) سنن النسائي ٦ / ٢١٢ كتاب الطلاق باب ما استثني من عدّة الطلاق ، وباب نسخ المراجعة.