أختص هؤلاء الأربعة فقط بتلك المعلومات. وفي هذا دلالة محسوسة وملموسة على وصول آثار مدونة عن ابن عباس رضي الله عنه إلى القرن الخامس من خلال كتب أصحابه.
وسيأتي منا مزيد إيضاح حول هذا الموضوع في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.
وما قد روي في كتب الناسخ والمنسوخ عن ابن عباس ينبئ عن مدى اهتمامه بالموضوع ، تبعاً للإمام أمير المؤمنين عليه السلام ولهما قضايا مذكورة.
فلقد ذكر النحاس وابن حزم في كتابيهما « الناسخ والمنسوخ » كما ذكر غيرهما شاهداً عن مزيد إهتمام ابن عباس تبعاً لأمير المؤمنين عليه السلام بمعرفة الناسخ والمنسوخ : « إنّ الإمام دخل المسجد فإذا رجل يخوّف الناس ، فقال : ما هذا؟ قالوا رجل يذكّر الناس ، فقال : ليس برجل يذكّر الناس ، ولكنه يقول : أنا فلان بن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه : أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ فقال : لا ، قال : فأخرج من مسجدنا ولا تذكرّ فيه » (١).
____________
(١) ذكر ابن سلامة هذا الخبر في كتابه ( الناسخ والمنسوخ / ٥ ) بهامش أسباب النزول ، والمظفر بن الحسين الفارسي في كتابه ( الناسخ والمنسوخ / ٢٦٠ ) ملحقاً بكتاب النحاس ، وسمى الرجل عبد الرحمن بن داب وقال : كان صاحباً لأبي موسى الأشعري وقد تحلق الناس عليه يسألونه ، وهو يخلط الأمر بالنهي ، والإباحة بالحظر ، فقال له : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت ، أبو من أنت؟ فقال لهم : أبو يحيى ، فقال : أنت أبو أعرفوني ، وأخذ إذنه ففتلها وقال : لا تقص في مسجدنا بعدُ. وذكر ابن حزم في كتابه ( الناسخ والمنسوخ / ٩٦ ) بهامش تفسير الجلالين ما يدل على لزوم اسم ( أعرفوني ) له ، وذكر المظفر في كتابه بسنده عن قتادة عن علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) أنه مرّّ بكعب الأحبار وهو يقص ، فقال له يا أبا اسحاق : أما أنه لا يقعد هذا المقعد إلا أمير أو مأمور ، فمكث أياماً ثم رجع فوجد كعب يقض على جماعته فمنهم مغشياً عليه ومنهم باكياً ، قال علي : يا أبا أسحاق ألم أنهك عن هذا المقعد ، أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال : الله أعلم ، قال : هلكت وأهلكت.