وفي خبر الضحاك بن مزاحم قال : « مرَّ ابن عباس بقاصّ يعظ فركله برجليه وقال : أتدري ما الناسخ والمنسوخ؟ قال : لا ، قال : هلكت وأهلكت ، وكان ابن عباس يقول : من لم يعرف الناسخ والمنسوخ خلط الحلال بالحرام » (١).
ويبقى ابن عباس هو الأكثر والأشهر في رواية الناسخ والمنسوخ ، وإن كان بعض المرويّات عنه تجعل الناسخ يطلق على التخصيص كما مرّت الإشارة إليه وتأتي الشواهد على هذا ، وقد تجعل المحكم من الناسخ والمتشابه من المنسوخ كما سيأتي بيانه أيضاً في المسألة الثالثة.
ومع ذلك فكثرة المروي عنه في ذلك أدت إلى اضطراب عند الباحث في صحة النسبة ، لأنّه رويت عنه آراء مختلفة في النسخ في بعض الآيات وعدمه وذلك لإختلاف الروايات عنه ، ولبيان ذلك أذكر بعضاً من الشواهد :
فمن ذلك ما رواه ابن سلامة في كتابه « الناسخ والمنسوخ » بهامش « أسباب النزول » ، قال : « الآية الثالثة والعشرون من الآيات المنسوخة من سورة النساء قوله تعالى : (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً) (٢) ، وذلك أنّ مقيس بن أبي صبابة التميمي قتل قاتل أخيه بعد أخذ الدية ثم أرتد كافراً فلحق بمكة ، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية ، وأجمع المفسرون من الصحابة والتابعين على نسخ هذه الآية ، إلاّ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر. فإنهما قالا : إنّها محكمة » (٣).
____________
(١) بصائر ذوي التميز للفيروز آبادي ١ / ١٢٣.
(٢) النساء / ٩٣.
(٣) أسباب النزول / ١٤١ ، هامش.