رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلّين بالحج ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم ، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الحلّ نحلّ؟ قال : « الحلّ كلّه ».
وقال النحاس : إنّ ابن عباس كان يرى الفسخ جائزاً ويقول : من حج فطاف بالبيت فقد حلّ ، لا اختلاف في ذلك عنه ، قال ابن أبي مليكة : قال له عروة : يا بن عباس أضللت الناس؟ قال : بم ذلك يا عروة؟ قال تفتي الناس بأنّهم إذا طافوا بالبيت حلّوا ، وقد حج أبو بكر وعمر فلم يحلاّ إلى يوم النحر ، فقال له ابن عباس : قال الله عزوجل : (ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (١) ، فأقول لك : قال الله ، ثم تقول لي : قال أبو بكر وعمر ، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفسخ.
قال أبو جعفر : وهذا القول انفرد به ابن عباس كما انفرد بأشياء غيره » (٢).
أقول : لم يكن ابن عباس بهذا القول منفرداً ، بل كان ذلك رأي أهل البيت عليهم السلام ، وأولهم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، وفوق ذلك كلّه أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع ، وسيأتي الكلام حول هذا في أبواب فقه ابن عباس رضي الله عنه.
ومن الشواهد أيضاً على اختلاف الرواية عنه في مسائل النسخ في قوله تعالى : (وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) (٣). قال النحاس : « واختلف عن ابن عباس في تفسير الآية إختلافاً كثيراً على أنّ الأسانيد
____________
(١) الحج / ٣٣.
(٢) الناسخ والمنسوخ لابي جعفر النحاس / ٣٣.
(٣) النساء / ٦.