من بعد جمع وحده ، وأعليت كعبي ، وجعلت ما سدده مردودا عليه ، فرددته لم يشف غليله ، ولم تبرد حرارة غيظه ، قد عض على شواه (١) ، وأدبر موليا قد أخلفت سراياه.
وكم من باغ بغاني بمكائده ، ونصب لي أشراك مصائده ، ووكل بي تفقد رعايته ، وأضبأ إلي إضباء السبع لطريدته ، انتظارا لانتهاز الفرصة لفريسته.
فناديتك يا إلهي مستغيثا بك ، واثقا بسرعة إجابتك ، عالما أنه لن يضطهد من آوى إلى ظل كنفك ، ولن يفزع من لجأ إلى معاقل انتصارك ، فحصنتني من بأسه بقد رتك.
وكم من سحائب مكروه قد جليتها وغواشي كربات كشفتها ، لا تسأل عما تفعل ، وقد سئلت فأعطيت ، ولم نسأل فابتدأت ، واستميح فضلك فما أكديت ، أبيت إلا إحسانا ، وأبيت إلا تقحم حرماتك ، وتعدي حدودك ، والغفلة عن وعيد ك.
فلك الحمد إلهي من مقتدر لا يغلب ، وذي أناة لا يعجل ، هذا مقام من اعترف لك بالتقصير ، وشهد على نفسه بالتضييع.
اللهم إني أتقرب إليك بالمحمدية الرفيعة ، وأتوجه إليك بالعلوية البيضاء ، فأعذني من شر ما خلقت ، وشر من يريدني سوءا ، فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك ، ولا يتكأدك (٢) في قدرتك وأنت على كل شئ قدير.
اللهم ارحمني بترك المعاصي ما أبقيتني ، وارحمني بترك تكلف ما لا يعنيني ، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني ، والزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني ، واجعلني أتلوه على ما يرضيك به عني ، ونور به بصري ، وأوعه سمعي ، واشرح به صدري ، وفرج به عن قلبي ، وأطلق به لساني ، واستعمل به بدني ، واجعل فن من الحول والقوة ما يسهل ذلك علي ، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك.
__________________
(١) الشوى : تطلق على سائر أعضاء الجسم.
(٢) أي لا يصعب عليك.